الجديد

الأقزام في مصر القديمة

قبل تناول الحديث عن دراسة الأقزام في مصر القديمة يجب ان ننوه انه فى تعاليم الأديان السماوية التي تطيب بها النفوس، والتى ما لم يعد ليتمسك بها عموم المجتمع إلا القليل، أنه لا يجوز بأى حال من الأحوال أن يسخر قوم من قوم أخرين فربما يكونوا خيراً منهم.

الأقزام في مصر القديمة

ومن ابرز ما يسخر منه الناس طبيعتهم البشرية الناقصة التي لا دخل لهم فيها. فيسخرون على سبيل المثال من الأقزام الذين مجدتهم الحضارات القديمة وأعلت من شأنهم. فكان موقف أم الحضارات القديمة، الحضارة المصرية القديمة موقفا إجلالياً حتى فاق معانى التبجيل.

الأقزام في برديات مصر القديمة

فقد وجد فى معظم النصوص السحرية المدونة على أوراق البردي فى عصر المملكة الحديثة ان الإلهة الأقزام يبدون كتجليات لإله الشمس (رع)، ويتسمون بالقدرة على الصعود إلى السماء والهبوط الى العالم السفلى مثل (رع): “ايها القزم الذي يتخذ من هليوبوليس موطنا، أيها الرجل القصير الذي يفرج ما بين ساقيه، حتى تحتوى السماء والأرض …..”.

ومثال آخر على ظهر ورقة البردي: “يا رع يا من تشكل نصف القزم فى السماء، ونصف القزم فى الأرض … يا قزم السماء … العمود العظيم الذي يصل بين السماء والعالم السفلى ….”.

وفى البردية السحرية المحفوظة فى لندن وليدن يشار الى احد الالهه الأقزام بـ الطفل النبيل الذي يقطن منزل رع او القزم النبيل الذى يعيش فى الكهوف المسدودة. وهناك نص يصف ميلاد الطفل الاله المتوحد مع حورس على هذا النحو “انبثقت زهرة اللوتس، وتفتحت اكمامها عن طفل جميل المحيا انار ظلمات الارض بسنا ضوئه، وبزغ قزم يرقد فى ثناه قزم يود (شو) ان يراه”.

ويتضح مما سبق ان توحدا بين الأقزام واله الشمس فى هيئته كشاب اى (حورس). وذلك بسبب هيئتهم الجسدية الغامضة التى توحي بالطفولة والنضج فى نفس الوقت، مثلهم فى ذلك مثل احد الالهه حديث الميلاد، وان كان يتسم بالحكمه والخبره.

ويمكننا ان نرى ذلك التصور فى نقش بارز على لوحة من (ادفو) محفوظه فى (وارسو) حيث يرقص الاله القزم المفعم بالحيويه والشباب على زهرة اللوتس، وتوصف الالهه الاقزام فى كثير من التعاويذ السحريه ب “القزم العظيم” كما لو كان بمقدورهم ان يكونوا ضئيلى القامه وعمالقة فى نفس الوقت.

ويتحول القزم فى ورقة بردى هاريس السحريه الى سبعة اذرع (حوالى 3.5 متر) وفى ورقة بردى اخرى نجد القزم (رع) عملاقا يبلغ طوله مليون ذراع اى ما يساوى المساحه المتعارف عليها فى ذالك الوقت بين السماء والارض.

وبإختصار فان المصرين القدماء كانوا يعدون الاشخاص قصار القامه موضع حظوة وترحيب، فلم يعتبروا القزمية مرضا يستوجب العلاج او نتيجة ارتكاب اثم دينى يجب التكفير عنه.

نظرة الحضارة الإغريقية للأقزام

كانت الحضارة الاغريقيه تنظر إلى الاقزام نظرة دونية؛ فقد وردت فى الالياذه اشاره الى رجال قصار القامه كانوا يعيشون على شواطئ المحيط ويتعرضون لهجمات طيور الكركى المهاجره لهذه البقاع، وكان هناك تصور حيال الاقزام السود مفاده أنهم كائنات ضئيلة الحجم يغلب عليهم طابع المشاكسه والتروع الى القتل ويشبهون فى هيئتهم (سرطان البحر). يعكس فى التصوير عند الاغريق حساسيتهم ازاء الجسد البشرى والنسب بين اجزائه وما يتصف به من كمال وعدم اكتراثهم بتصوير ما يعيب الجسد البشرى من تشوهات.

ويصف “ارسطو” فى احدى كتبه صنفا من المخلوقات تخالف الابوين فى الهيئه وتخالف الطبيعه فى سياق عملياتها المعتاده حيث تتسم باعضاء زائده او ناقصه وينطوى ذالك على تشوه بشع، ويسوق امثله عدة لحيوانات بشعه الخلقه مثل الدجاج بأربعة ارجل واربع اجنحه وحيه برأسين وماعز بقرن فوق ساقها. ويرى النساء فى مصر تنجب اطفالا عدة، ولذا فان حالات الميلاد التى تتسم ببشاعة الخلق اكثر شيوعا، وان الاقزام تشكل مع الاطفال والحيوانات صنفا من المخلوقات الدنيا تتميز بأجساد تفتقر الى الاتساق بين اجزائها.

كما يرى ارسطو ان الحيوانات والاطفال والاقزام البالغين اقل من الرجال ذوى الاحجام العاديه، وذلك لان ثقل الجزء العلوى يعرقل ملكة التفكير الصحيح، ويعوق حركه تيار الذكاء والادراك، كما ان الذاكره عند هذه الكائنات اضعف، اذ ان الرأس الضخم بثقله الهائل يفسد نبضات الفكر. ويغزو ارسطو اسباب اضطراب النمو الى فترة الحمل بالاضافه الى ذالك فان الاقزام يصابون بتشوهات فى اجزاء الجسم لاسباب خارجية. وبوسعنا المقارنه بينهم وبين الخنازير المشوهه.

ويذكر ارسطو شواهد واسانيد لصحة نظريته بوضعه محاولات بعض الناس لانقاص احجام الحيوانات بعد الميلاد يتربية جرو على سبيل المثال فى قفص لطيور السمان، علما بأن الاقزام من البشر كانوا يوضعون فى صناديق بغرض ايقاف نموهم فى عهد الرومان.

الأقزام فى بلاد اليونان

اما عن الوضع الدينى والاجتماعى للاقزام فى بلاد اليونان فقد كان الاقزام يعدون كائنات ادنى مرتبه بسبب هيئاتهم الجسمانيه التى تفتقر الى التنسيق او الكمال وثمة تصوير لهم فى اسطورة (الاقزام الافارقه والسركوب) كبشر بدائيين يفتقرون الى الورع والتقوى وينفرون من مخالطة الناس، مما يوحى بأن اهل أثينا كانوا يشبهونهم بذالك النوع الوحشى من البشر الذى يقنط الارض فى فجر الخليقه، وتعرض لعوامل الاندثار والهلاك على نحو تدريجى. وثمة تقليد قومى اخر يعزى الى ولعهم بالبذخ والترف ويتمثل فى اقتناء اقزام ومهرجين يشبهون البوم وكلاب ضئيلة الحجم من مالطا يصطحبونهم الى صالة الالعاب الرياضيه.

الا ان الاقزام كانو يقومون بأنشطه اخرى مثل العزف الموسيقى والغناء والقيام بألعاب المشعوذين مثل رمى الكرات فى الهواء او الرقص … وهناك صور عديده تبين ان الاقزام كانوا يدمجون فى نسيج المدينه وان لم يكن بنفس القدر الذى كان يحظى به المواطنون من ذوى الاحجام العادية، ويبدوا انه لايسعنا تأكيد المساواه التامه فى الوضع او المكانه الاجتماعية بين الاقزام وبين مواطنى أثينا الاخرين العادين. وعهد للاقزام بدور فى سياق شعائر العبادة اكثر الهة أثينا اثارة للقلق وهو الاله (ديونيسوس) ويوضع الاقزام موضع الهة الغابات الذين يتميزون بفحولة جنسية تدعو الى الدهشه.

الأقزام فى مصر القديمة

ولقد لوحظ ان الاقزام فى مصر القديمة حظوا بقدر اكبر من القبول مما كان يتوافر لنظائرهم فى بلاد اليونان، ويرجع ذلك الى ابلاء الاغريق قدرا اكبر من الاهميه للكمال الجسمانى عن مثيله فى مصر القديمة، وفى روما ابان العهد الملكى والجمهورى، فقد كانت مظاهر الشذوذ الجسمانى تعد فى البدايه بمثابة نذير شر مستطير، ثم اصبحت هذه الكائنات البشعه جزاء من عمل يستهدف الربح.

فرغم ما تثيره هيئلتهم فى النفوس من احاسيس القلق والاضطراب التى لا تزال تجعلهم موضع نبذ واستهجان الا انه قد خفف من حدتها الضحك الذى كانوا يهبونه للناظرين اليهم وجمهور المشاهدين، ولذا فأنهم كانوا ينتجون الاقزام بطرق اصطناعيه بثنى اطراف الاطفال الصغار او بترها او بوضعهم فى صناديق تحول دون نموهم بصوره طبيعيه. وما إن لبث الأمر حتى ظهرت الأديان السماوية بتعاليمها الحنيفة التى تكرم الأدمين عموماً وتعلى من شأن ضعيفهم حتى يتساوى كل الناس.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-