العالم الروحى عند المصري القديم قبل تناوله يجب ان نعلم ان المصري القديم نظر إلي الموت بإعتباره عالم من عوالم الوجود وأبعاده اطلق عليه لفظ دوات، ولم يكن مجرد شئ يحدث عند بلوغ النهاية فقط، والدوات هو عالم روحاني يوازي العالم المادي الذي يعيش فيه الانسان، ولكنه عالم خفي وسكان العالم المادي هم الاحياء، بينما سكان عالم الدوات فهم الكيانات الالهيه (النثرو)، وارواح الطبيعة والبشر الذين توفاهم الموت بينما الموت في نظرنا في العالم الحديث هو حدث يدخل فجأة وينهي حياة البشر.
عندما نحاول تحليل الديانة المصرية القديمة نشعر اننا لا نتامل فقط اشياء تنتمي للماضي فحسب وانما نشعر اننا امام احد الدلائل الانسانية التي نتعامل بها في العصر الحديث والتي اصبحت علم من العلوم وهو العلوم الروحية. تحمل الممارسات الدينية المصرية القديمة في جوهرها كل عناصر الممارسات الروحية بمعني الاتصال بالعالم الاخر وقد عرفت هذه الممارسات في العصر الحديث بمسميات كثيره مثل الشامانية، وهي ممارسات روحية تجعل صاحبها يتصل بالارواح والعالم الاخر في حياته.
نظرة المصري القديم إلى العالم الروحى
قد قسم المصري القديم الانسان الي ثلاث عناصر ومنها ما يسمي الاخ (الروح المشرقة)، أما فيما يخص الكون فلم يكن الكون عند المصري صورة من صور التجليات للاله فهو ما يعبر عن وجود الاله. ونظر المصري القديم الي الموت والعالم الاخر باعتباره العالم الخفي الذي يسكنه النثرو، فهناك نص غامض ظهر في مقبرة الملك رمسيس السادس وغيرها من المقابر لملوك الدولة الحديثة يوضح اهتمام الكهنة بعالم الدوات، وهو المسمي بكتاب الايمي دوات اي ماهو كائن في العالم الاخر، ولكن البعض اعتبرها مجرد شطحات تصوفيه للكهنة وتخيلاً للعالم الآخر وهم لا يعرفونه.
ولكن هل نعتبر ان الانسان عندما يتخيل الجنة فهو لم يراها ولكنه رأي نعم المولي عز وجل فتخيل ان الجنة هي اعظم من كل ما يراه بعينيه المادية لذلك تخيرها بأنهار وزروع واشياء يراها بعينيه، ولكن هناك ايضاً من الدلائل ما يري ان نصوص الاهرام في ذاتها هي نتاج طقوس روحية مارسها الكهنة كانت تضع الانسان علي عتبة الموت في حياته وليس موته.
ورأي البعض ان الملوك لم يقوموا بالطقوس الدينية بغرض العرض المسرحي فقط ولكنها طقوس مقدسة، بالاضافة الي انه كانت هناك ألقاب خاصة ببعض النبلاء وكبار رجال الدولة في مختلف عصور الحضارة المصرية القديمة تدل علي انهم بجانب الوظيفة كانت لهم معرفة روحية مثل لقب حري سشيتا (حارس الروح).
فنجد في نص تتويج تحتمس الثالث حيث صعد الملك الي السماء علي هيئة صقر وشاهد رع في جميع تجلياته، فكيف يصعد الملك الي السماء اثناء تتويجه بمعني انه علي قد الحياة فهي تجربة روحية. ونجد ان رخمي رع يقول: (لا يوجد شي في الارض ولا في السماء ولا في اي مواضع في الدوات لم يطلع عليها رخمي رع).
ونجد ايضا في نصوص الاهرام وهي مجموعة من النصوص كتبت علي جدران الاهرامات مثل هرم ونيس وبيبي وتتي واذا نظرنا اليها وجدنا انها تتناول مصير الروح في العالم الاخر ولكننا نجدها ايضا تصف تجارب روحية للاتصال بعالم الموتي، وهذا يعني ان الملك كان علي حياته يقوم بتجربة الاحساس بالموت في نفس المكان الذي سيدفن فيه وهو الهرم وهو ما يسمي بالموت الاختياري وكانت تحت مسمي الاحتفال بالسنة الرافدية (اكيتو) في العراق القديم.
نجد في نصوص هرم ونيس (انا حور (حورس) وريث ابي اوزير، لقد ذهبت وعدت من جديد) فكيف يذهب ملك ويعود من جديد فهي تقول ان الملك مات رمزياً او طقسياً فاذا قال البعض ان المصريون القدماء كانوا يرون ان الملك بعد موته ينضم الي عالم الكيانات الالهيه فسيكون الرد هو انه عندما يتوفي الملك فهو يتحول الي اوزير في العالم الاخر وليس كحورس فحورس هو رمز الاحياء وليس الموتي، هذا الي جانب كون الملك يتحدث كحورس وليس اوزير فالملك هنا دخل عالم الموتي وعاد من جديد. اذا فقد بلغ اهتمام المصري القديم بالموت الي شغفه ان يمارسه في حياته ليتعرف علي أسراره.