يعتبر من أظرف التعبيرات المصرية هو تعبير راح في الكزوزة فهو تعبير ظريف، حين تسمعه تبتسم وتفهم منه بالاحساس (أنه راح في داهية).
ما المقصود بالكزوزة
ان الأجيال الحديثة لا تفهم كلمة (كزوزة)، وهو الاسم الذي كان يطلق على (زجاجة الحاجة الساقعة) قديما، فيقولون (تشرب قزوزة؟)، والأجيال الأقدم لابد أنها تتذكر أغنية ليلى نظمي الرشيقة (ما أشربش الشاي، أشرب قزوزة أنا)، لكون القزوزة في ذاك الوقت كانت رفاهية، ومن يسمع تلك الأغنية من شباب اليوم قد تنال إعجابه نظرا لايقاعها الراقص، واستخدام التصفيق مضفر بالايقاع.
قصة اغنية العتبة جزاز
من أشهر أغاني الأفراح الفلكلورية التي وردت فيها الكلمة بهذا الشكل: هي أغنية: (العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو).
وربما يستفزك الفضول لتعرف معنى تلك العبارة لغموضها، فيذكر بعض أمهاتنا الكبار في المناطق الشعبية أن المقصود بالعتبة هو (العروسة)، وبالتالي فتغيير العتبة يعني (الزواج الثاني)، والتلميح الرمزي (جزاز) يدل على نعومة الجسد كنعومة الزجاج بعد ازالة الشعر.
والشعب المصري يميل بطبعه أحيانا لبعض التلميحات الجنسية بطريقة مستترة، لذا عبر بكلمة (السلم) وهو الذي يصعد بك لأعلى عن (الفخذين)، ويأتي التعبير (نايلو في نايلو) لتكملة الاثارة. وكان هذا الرأي من قلب المناطق الشعبية. أما الرأي الآخر فجاء في رواية للاعلامية إسعاد يونس في برنامجها الاذاعي 9090.
والرواية لها علاقة بقصة (العتبة الخضرا) حيث بنى الحاج محمد الدارا الشاريبيشان أول سراية بالعتبة، ثم آلت ملكيتها إلى أحمد باشا طاهر، حاكم للصعيد، حيث جدد السرايا وعمل (عتبة) باب السرايا من الرخام الأزرق النادر والغريب الذي يشبه (الزجاج)، والسلم الذي يسبق العتبة من رخام أبيض شفاف غريب، ومن هنا سمي الميدان (العتبة الزرقا).
ثم تؤول ملكية السرايا للست الوالدة باشا، أم الخديو عباس الأول، التي أجرتها من ارملة أحمد باشا طاهر، وظل الإيجار 60 سنة، ثم جاء الخديوى إسماعيل، وأخد مكان الوالدة باشا كمستأجر، ثم هدم جزء من السرايا ووسع الميدان، وأتى بمهندسين أجانب، لتخطيط القاهرة الجديدة التي حلم بها، وفى قلب الميدان أمام السرايا، زرع حديقة جميلة مليئة بالخضرة، ومن هنا أصبح اسم الميدان (العتبة الخضرا) بدل إسمه القديم (العتبة الزرقا).
وربما هذه الرواية تفسر اسم (العتبة الخضرا)، ولكنها في تقديري لا تقنعني في مسألة ظهور أغنية (العتبة جزاز) وأرجح رواية أمهاتنا الكبار.
قصة تعبير راح في الكزوزة
لنعود أدراجنا، ما معنى (راح في الكزوزة)؟… حتى نفهم القصة لابد أن نتأمل كلمة “جزاز” حيث نجد أنها الأصل لكلمة glass الانجليزية بمعنى (زجاج)، ويذكر المعجم الاشتقاقي أن الكلمة مأخوذة عن الايرلندية القديمة glass بمعنى (أخضر، أزرق، رمادي)، عن الويلزية glas بمعنى (أزرق)… فما فائدة ذلك؟ … فائدة ذلك أن الاسم أصله (الزجاج الملون)، وهو (الأزرق) تحديدا. تذكر ذلك حتى يأتي وقته.
وقد قمت منذ فترة طويلة باستفتاء في الشارع المصري بمناطق مختلفة بمصر شمل ألف شخص تقريبا، عن تصور كل فرد عن المعنى، وكانت معظم الأراء تميل لكون معنى عبارة (راح في الكزوزة) أنها تعبر عن أنه (سقط مع فوران السائل) عند فتح الزجاجة، فهلك. وهذا احتمال وارد.
ومع ذلك لي رأي مختلف، بالتركيز على اسم الغطاء (كزوزة)، فما أن يفتح لك صاحب الكشك الزجاجة حتى يقوم بإلقاء (الكزوزة) أي (الغطاء) بسلة المهملات. فيكون معنى (راح في الكزوزة) يعني (هلك).
ولكن من أين جاء إسم (كزوز)؟ هل هو إسم قديم حقا أم حديث نسبيا؟ تعال معي في عجالة لنتعرف على الأصل البعيد معا:
اصل جملة راح في الكزوزة في اللغة المصرية القديمة
تبدأ القصة من اسم اللازورد الذي دعي في اللغة المصرية القديمة (خزبج) وهي مركبة من كلمتين (خز) بمعني داكن كناية عن اللون الازرق، وكلمة (بج) بمعني زجاج، ثم اطلق الاسم على الزجاج الملون عموماً.
![]() |
خزبج |
وبتحول حرف الجيم المعطش الي حرف (ز) نحصل على كلمة (خزبز)، وبالتبادل بين الشفويات (ب ، و) والتي ينساه الباحثون نحصل على (خزوز) ثم (قزوز)، ثم اطلق الاسم على الاناء المصنوع منه، ثم على الشراب الذي يحتويه.
فحين نقول (تشرب قزوزة) نعني بذلك السائل، ومن (قزوزة) او (جزوزة) ظهرت كلمة (جزاز) ومنها (glass) التي انتشرت الى كل بقاع الارض، فأول مصنع زجاج في التاريخ كان في مصر.