قبل تناول موضوعنا عن الجريمة والعقاب في مصر القديمة يجب ان ننوه بأنه كان على المصري القديم اتباع نصيحة التحلي بفضيلة الحياء والاستقامة والصمت. فمن كان قليل الكلام، قنوع النفس تفتح له الابواب وتفسح له المجالس، ويصبح موضع ترحيب من الجميع. فلا تكن ثرثارا. بل كن معتدلا وإلزم طريق الماعت (الحق والعدالة). فإن من حاد طريق الاستقامة فلن يفلح.
واعلم يا بني ان قضاه ماعت ف العالم الاخر لا يتساهلون مع المذنب عند مقاضاته يوم الحساب. يا بني لا يغرنك طول الاجل فمهما طال عمرك ستغادر هذه الحياه. يا بني عليك اختيار العقوبة المناسبة لكل جريمه فهناك من يستحق العقاب. وهناك من يستحق فقط التوبيخ وان العدل هو الذي يستطيع ان يضع حد للشر.
فكرة المقابر وتطورها
كانت المقابر عند المصري القديم هي مقره لكي يبعث في العالم الاخر. وان فكره الحياه بعد الموت من خلال الطبيعة ومن حوله دوره الشمس ومغيبها كل يوم كذلك الفيضان نهر النيل وانحصاره ودوره الارض الزراعية. ومن الحته دي عرف المصري القديم البعث والحياة بعد الموت. فكان لازم ان يدفن الموتي ف الصحراء للحفاظ عليها.
فقام في البداية بعمل حفره بسيطه في رمال الصحراء لدفن الموتي. وبعد كده في العصر العتيق بدأت تاخد شكل المصطبة. وتطورت للشكل الهرمي. وبعد كده في الدوله القديمة اخدت شكل الهرم الكامل. وفي عصر الدوله الوسطي بني ملوكها أهرامات صغيرة في الحجم. الى ان جاء ملوك الدولة الحديثة قاموا بحفر مقابرهم في الصخر وفي وادي الملوك للحفاظ علي مقابرهم.
كل ده ياعم ايه لازمه بموضوعنا أصلي لازم اوضحلك ان المقابر كانت ليها قيمه وبالتالي فكره انها لو اتسرقت هيحصل علي السارق عقوبات كتير ممكن توصل انه يتحكم عليه بالموت لأنها مقدسه فوق ما تتخيل. لانها كانت تحتوي علي أشياء ثمينة من الذهب الخالص وغيرها تغري هؤلاء اللصوص دائما باقتحامها والسطو عليها وعلى ما بها من مقتنيات ولاسيما في فترات تهالك السلطة المركزية.
انتهاكات المقابر
انتشرت في الفترة الاخيرة من حكم رمسيس التاسع سرقات الجبانة الملكية كما نهب الكثير من المقابر العامة. وحصلت اعمال السلب ونهب في العام 16 من حكمه. وتم تسجيل كل ده في دفتر يوميات دير المدينة. حصل لاقينا واحد اسمه الوزير “خعموا ست” حاكم طيبه وكان يرأس الموظفين المدنيين حكي عن السرقه اللي حصلت في عهد رمسيس التاسع.
كمان عندنا اثنان من العمد واحد اسمه “باسر الثالث” وده كان عمده طيبة الشرقية و”بورعا” عمده طيبة الغربية بتشير الوثائق في العام التاسع من حكم رمسيس التاسع برضه ان كان فيه عصابة من اللصوص اللي دخلت مقبرة رمسيس السادس ولكنهم اختلفوا علي تقسيم الغنائم. فعلي رأي المثل اللي بيقول مشفهمش وهما بيسرقوا شافوهم وهما بيتحاسبوا فالمهم انهم اتمسكوا وكان العقاب رادعا.
ومثلا حصلت سرقه لبعض المقابر زي مقبرة انتف الخامس وانتف السادس وكمان مقبره سوبك ام ساف الثانيه دخلها بعض اللصوص وتعرضت جميعها للنهب واعتدوا عليها. حتي ان بعض المتهمين اللي اشتركوا في السرقه اعترفوا بأنهم نهبوا الحلي واشعلوا النار في المومياء.
عقوبة سرقة المقابر
طب القانون شدد العقوبة علي من يتجرأ على حرمه قبر المصري القديم ويسطو عليه. فكان يقضي بحكم الاعدام علي كل من يقترف هذه الجرائم. هذه العقوبه كانت معروفه للجميع وورد علي لسان احد اللصوص في اعترافه اثناء التحقيق معه انه اتعارك مع زميله وقال له (قلت له انك ستذبح بسبب هذه السرقه التي ارتكبتها في الجبانه) فقال له اذا ذهبت للموت فسأخذك معي يا نعيش احنا الكل يا نموت احنا الكل.
وتشير وثيقه mayer A الي ان عقوبه الموت العظمي قد نفذت بالفعل علي 7 من سارقي القبور. واللى اتعدموا فوق رأس الخازوق.
وفي وثيقه تانيه برضه اسمها Sait 124 ترجع لعهد رمسيس الثالث ان عقوبه سرقه المقابر في عهده وصلت لقطع اليد ودي اشهر عقوبه معروفه لجريمه السرقه.
ودليل علي كده ان تمت سرقه عربه الملك مرنبتاح وهو ملك في اواخر الاسره 19 من مقبرته واتهم فيها شخص خطأ بدلا من الجاني الحقيقي اللي كان بيشغل وظيفه رئيس العمال بالجبانة ويسمي “بانب”. وقد نفذت فيه العقوبة فعليا هو استولي علي غطاء عربه الملك مرنبتاح وقطعوا يده بالفعل. حتي ان فيه راي allam ان القطع هنا كان يتعلق بيد العربه وليس بيد السارق.
القانون المصري هنا مفرقش ما بين سرقة مقابر الافراد وسرقة مقابر الملوك واعتبر ان السرقة هي موجهه ضد الدوله ومن الصعب هنا ان اي حد يتحجج بتخفيف العقوبة في سرقه المقابر الملكية. بس العقوبة في بعض الاوقات كان بيتم تخفيفها بمعني انها كانت الاول اعدام خففت الي حكم قطع اليدين. ثم خففت الي الضرب بمائة جلدة.
والسبب في انها تتقلص لكده سببين:
- عقوبه الاعدام كانت للي بيتعرضوا لنبش جثه الميت.
- وان السرقه تستوجب الاعدام في القانون المصري نظرا لانهم جماعات سطو مسلحه لها شكل وكيان منظم يهدد امن الدوله بكاملها.
سرقة المعابد الجريمة والعقاب في مصر القديمة
اما بالنسبة للمعابد فكان ليها قوانين خاصه بها لحمايتها من اي اعتداء علي أملاكها. عشان كده لاقينا من خلال مرسوم سيتي الاول (الاسره التاسعه عشره) والتي تصدت لاي فرد انه يتجرا بسرقة معبد بأقصي عقوبة حتي وصلت الي الخوزقة (الاغتيال من اسفل) وجدع الانف وملص الاذنين ودفع غرامه المائه المثل.
حتي مرسوم سيتي الأول ان عقوبة الموت الكبري كانت توقع في حالة سرقة حيوان تابع للمعبد ونقله الي اي جهه اخرى سواء كانت معبد أخر او حتي لشخصه. فكان بيتم عقابه وكمان بيعاقبوا اسرته بانها تصادر اموالهم لصالح المعبد المسروق منه واسترجاع رأس الحيوان بنسبه المائه الي واحد اللي هوا بالصلاه علي النبي كده يا ريتك ما سرقت أديك أتخرب بيتك.
طب لو سرق اي حيوان تابع لمنشأة دينية زي معابد مثلا دون نقله الي طرف تالت كانت العقوبه هي جدع الانف وملص الاذنين. وبيتم تسخير السارق واسرته لخدمه المنشاة التي اعتدي عليها.
طب لو سرقه اي متاع خاص بأى معبد. فقد كان السارق يعاقب بضرب مائه ضربه وتغريمه مقابل ما سرق مائه مثل (اذا ان وجد اي فرد سرق اي أملاك خاصة ببيت ماعت رع القانون سيطبق عليه الضرب مائه ضربه، واخذ الأشياء الخاصة ببيت من ماعت رع بوصفها مسروقات بنسبه مائه لواحد).
كما كان الاستيلاء علي الضرائب اللي اتيه للمعابد كانت معاقبه لمرتكبها مائه ضربه وانتزاع الشي المغتصب ورده للمعبد بنسبه 80 الي واحد كما في مرسوم سيتي الاول.
القتل من جرائم الانتهاك الخاصة
حظت حياه المصرين بسياج كبير من الاحترام وشعور عال من التقدير. بحيث اننا لا نستغرب انه يتم وضع قانون عقوبات مشدده علي انتهاك حرمة النفس البشرية.
وتوقفنا وثيقه (وستكار) على مدى الاهتمام الشديد بحفظ النفس البشريه. وذلك من خلال قصه (خوفو) والسحرة عندما اقترح الملك (خوفو) قطع رأس احد الاسرى لكى يعديها الساحر (جدى) الى مكانها مما جعل الساحر يهتز واخبر الملك انه غير مسموح فعل هذا الامر لانه يكون تعدى على النفس البشريه بغير الحق.
ايضا كما قال (ديودور) ان الشخص الذى كان يخطئ في عمليه التحنيط كان يقذف بالحجاره وهناك فرق بين القتل العمد والقتل الخطأ وكان القتل العمد الذى يتوقف فيه عنصر الاصرار والترصد كانت عقوبه الموت الكبرى (الاعدام).
الامر كان مختلفا في حاله قتل الابن لابيه او امه. فلم يكتفى الشرع باعدام فقط وانما شرع بحرقه على الاشواك. وذلك بتمرير قضيب مدبب في جسد الابن العاق قبل اعدامه.
اما في حالة قتل (الاب والام) لابنه فإنه يحضن جسد ابنه لمدة ثلاث ليالى في وسط حرس كبير لا تمسح له بإن ينسحب.
العقوبات البدنية
تعد عقوبة الموت هي اقسى العقوبات الفلكية فى مصر القديمة وعبرت عنها النصوص المصرية القديمة بتعبير جامع عقوبة الموت الكبرى ولعل اول إشارة إليها جاءت فى وثيقة prisse من خلال تعاليم بتاح حتب ولما كان للحياة من حرمة وقدسية كبيرة لدى المصرى القديم. فإن إزهاق الروح أو سلبها كان أمراً بالغ الخطورة لذا نسبها المصرى القديم الى سلطات إلهية.
وقد أشارت وثيقة Amherst فى عهد رمسيس التاسع أن مصير المتهمين كان مفوضا للملك أن التحقيق معهم وجزائهم كتب وارسل الى الملك.
وجاء فى الوثيقة نفسها أيضا (وضعوا كمساجين فى سجن معبد آمون رع ملك الآلهة مع شركائهم فى السرقة حتى يقر الملك سيدنا عقوبتهم).
أما فيما يتعلق بمن يقوم بتنفيذ العقوبة على الجانى فيبدو أن القاعده التى كانت سائدة أنه لا يجوز لأحد أن يوقع عقوبة على من هو أعلى منه وظيفياً. وهو ما أشارت إليه وثيقة تورين القضائية فى عهد رمسيس الرابع حيث ذكر الملك رمسيس الثالث للقضاة المكلفين بالتحقيق فى محاولة اغتياله: (خذوا حذركم واحترسوا حتى لا تجعلوا احد الناس يعاقب خطأ على يد موظف ليس أعلا منه).
المصادر والقائمين بالإعداد
- منال محمود محمد محمود: كتاب الجريمة والعقاب فى مصر القديمة.
- محمود السقا: معالم تاريخ القانون المصرى.
- فلسفة وتاريخ النطم الاجتماعية والقانونية.
- إعداد ملخص الجريمة والعقاب فى مصر القديمة: أ/ احمد ابراهيم السيد – أ/ ميار سعد نجاح – أ/ مريم امجد وليم. إشراف: أ/ احمد ابراهيم السيد.