الجديد

مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي بقرية محلة روح بمحافظة الغربية

بحث ودراسة أثرية كاملة عن مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي بقرية محلة روح مركز طنطا فى محافظة الغربية. في الفترة مابين عام 1805م، وحتى عام 1897م ظلت مصر رسميا ولاية عثمانية يحكمها والي نيابة عن السلطان العثماني برغم استقلالها كأمر واقع بدليل أن الوالي نصب نفسه كخديوي متمتعا بصلاحيات، وقوة سياسية.

مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي بقرية محلة روح بمحافظة الغربية

وخلال القرن التاسع عشر الميلادي، وأوائل القرن العشرين تعاقب على حكم مصر العديد من أفراد أسرة محمد علي باشا الذي تولى حكم مصر في عام 1805 م، إلا أن الفترة التي تؤرخ لهذا المصحف وهي عامي 1912م ،1913م كانت مصر تحت حكم الخديوي عباس حلمي الثاني.

والذي تولى حكم مصر في عام 1892 م، والذي حاول أن ينتهج سياسة يتقرب بها لعموم المصريين، وهي مقاومة الاحتلال البريطاني، مما دفع سلطات الاحتلال إلى انتهاز الفرصة لعزله، وجاءت لهم الفرصة عندما نشبت الحرب العالمية الأولى، وكان عباس حلمي الثاني خارج مصر، وعزلوه في عام 1914م، ويعتبر هذا الخديوي سابع من حكم مصر من أسرة محمد علي، وآخر من حكم مصر تحت اسم خديوي مصر.

مقدمة بحث مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي

حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على كتابة كل ما أنزل إليه من القرآن الكريم بإملائه لكتاب الوحي الأربعة(1)، وقد سجلوها على مواد مختلفة مثل جريد النخل، وإما على الرقاع، ومفردها رقعة، وهي الخرقة أو جلد الحيوان المدبوغ(2)، وفي عهد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه تم جمع القرآن الكريم في صحائف مرتبة لآيات، وسور وأسموه المصحف(3).

وأجمع العلماء أنه يجوز تزيين المصحف الشريف، وزخرفته لما في ذلك من تعظيم له، وقد تجلت عبقرية الفنان المسلم في زخرفة المصحف الشريف سواء في تجليد غلافه أو في زخرفة صفحاته الافتتاحية، والختامية ثم تطورت العناية في كل ما يتعلق بالمصحف من تذهيب وغيره من الزخرفة إلا أن فن الخط العربي تطور بصورة كبيرة مع المصحف الشريف فاستعمل الخطاطون في أول كتابتها الخطوط الكوفية التي تتميز بجمالها الزخرفي.

وصار خط النسخ جنبا إلى جنب مع الخط الكوفي، وقد أخذ الخطاطون مكانة كبيرة لاشتغالهم بكتابة المصحف الشريف، وظهر منهم أسماء لها بصمتها في فن الخط العربي، ومن أمثالهم ياقوت المستعصمي، وابن مقلة، وغيرهم، واستخدم الفنان المسلم في العصور الإسلامية بعد ذلك أسلوب جديد تمثلت في زخرفة صفحات المصحف الأولى بزخارف نباتية ملونة، ومذهبة.

ويعد العصر العباسي هو بداية فن زخرفة المصاحف فكانت تزخرف الصفحات الأولى، والأخيرة، وعناوين السور القرآنية(4)، وامتد الأمر إلى الاهتمام بغلاف المصحف فظهر فن التجليد، ويعد العصر المملوكي هو المتميز في صناعة جلود الكتب والمصاحف، وزخرفتها بالزخارف الهندسية، والنباتية(5) إلا أن فن التجليد ارتبط ارتباط وثيق بالمصاحف، وذلك لحمايتها، والعناية بمظهرها الخارجي.

وصف المصحف

المصحف ضمن عهدة مكتبة الجامع المذكور التابع لمديرية أوقاف طنطا، وهو غير كامل الأجزاء يتكون حاليا من 22 مجلد يحتوي المجلد على جزء واحد من القرآن الكريم، ولكل مجلد غلاف من الجلد الطبيعي ذو اللون البني الداكن، وله لسان من الجلد أيضا يتوسطه زخارف غائرة مضغوطة لها شكل البخارية (كما هو موضح بالصورة رقم 1).

غلاف من الجلد الطبيعي ذو اللون البني الداكن
غلاف من الجلد الطبيعي ذو اللون البني الداكن

والمجلد الأول فقدت منه سورة الفاتحة، وأول سورة البقرة، وكل ورقة من أوراق المجلدات تحتوي على آيات القرآن الكريم المكتوب يدويا بخط النسخ بالمداد الأسود (كتابات وتشكيل) في عدد سبعة أسطر داخل إطار مستطيل مزدوج باللون الأحمر أبعاده تقريبا 16 سم × 9 سم.

وجاءت عناوين السور، وكذلك علامات الآيات، والوقف، والمد، وعلامات الأحزاب، وإشارات السجدات جميعها بالمداد الأحمر، وللصفحة هامش كبير في الأطراف اليمنى، واليسري دون به بعض التعليقات الدينية، وعلامات الأحزاب، وإشارات السجدات أما الهامش العلوي، والسفلي في كافة الصفحات أقل حجما، كما يحتوي الهامش الأسفل للصفحات اليمني على الكلمات التي تبدأ بها الصفحات اليسري (كما هو موضح بالصورة رقم 2).

الصفحات والهوامش وما بها من كتابات وتعليقات
الصفحات والهوامش وما بها من كتابات وتعليقات

ويوجد بكل من الجزء الرابع، والثامن صفحة دون بها وقفية المصحف باسم صاحبها، وهو الحاج سيد أحمد الشيخ علي لوقف هذا المصحف (الربعة الشريفة) لجامع سيدي محمد الشناوي (كما هو موضح بالصورة رقم 3).

وقفية المصحف باسم صاحبها وهو الحاج سيد أحمد الشيخ علي لوقف هذا المصحف (الرابعة الشريفة) لجامع سيدي محمد الشناوي
وقفية المصحف باسم صاحبها وهو الحاج سيد أحمد الشيخ علي لوقف هذا المصحف (الرابعة الشريفة) لجامع سيدي محمد الشناوي

وجاء ضمن بعض صفحات أجزائه تاريخ كتابة المصحف مرة سنة 1912م، ومرة سنة 1913 م، واسم الناسخ للمصحف، وهو السيد أحمد صيره (كما هو موضح بالصورة رقم 4).

توضح هذه الصورة تاريخ المصحف 1913م واسم الناسخ للمصحف وهو السيد أحمد صيره
توضح هذه الصورة تاريخ المصحف 1913م واسم الناسخ للمصحف وهو السيد أحمد صيره

محلة روح

هي القرية التي بها الجامع الذي أوقف له هذا المصحف (الربعة الشريفة)، وهي حاليا إحدى قري مركز طنطا بمحافظة الغربية ذكرها ابن الجيعان في كتابه بأن مساحتها 991 فدان (6)، ووردت في قوانين ابن مماتي، وفي تحفة الإرشاد أنها من أعمال الغربية(7).

يقول عنها علي باشا مبارك: “هي قرية من مديرية الغربية بمركز محلة منوف قبلي ناحية سفط شرقي ناحية دمشيط ،….. بها جامع له منارتان، ومحطة للسكك الحديدية، وجملة من الأشجار والسواقي، ومنزل مشيد لعمدتها، ولها سوق في كل أسبوع، ويتكسب أهلها من الزراعة”(8).

محمد الشناوي

أما محمد الشناوي، والذي يحمل اسمه جامع القرية، وفيه قبته الضريحيه فهو أحد كبار المتصوفة الأحمدية في بدايات العصر العثماني، ويذكر الشعراني أنه كان شيخه، وقدوته إلى الله تعالى، وقال أنه العارف بالله سيدي محمد الشناوي رضي الله عنه كان من الأولياء الراسخين في العلم، أهل الإنصاف، والأدب، وكان يمضي الليل، والنهار في قضاء حوائج الناس توفى سنة 932هـ، ودفن في زاويته بمحلة روح، واقتتل الناس على نعشه من هول تلك الفاجعة(9).

ويعتبر محمد الشناوي أحد أحفاد الشيخ عمر الشناوي الأحمدي مؤسس البيت الشناوي الأحمدي الصوفي، وأحد مريدين السيد أحمد البدوي بطنتدا (طنطا)، وجاء في ورقة الوقفية للمصحف عن صاحب الوقف السيد أحمد الشيخ علي أنه بن سلالة الصالحين السادات العباسية.

والمقصود هنا بالعباسية هم من ينتهي نسبهم إلى العباس عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ألفاظ الصالحين، والسادات هي ألقاب يطلقها المتصوفة على شيوخ التصوف، أما ما قصده الناسخ من لفظ سلالة فالمقصود هنا أن واقف هذا المصحف ربما أحد أحفاد الأولياء الصالحين من سلالة العارف بالله محمد الشناوي، وهم علي المصري، ومحمد الدماطي، وعلي بندق (10)، وهم أحفاد العارف بالله محمد الشناوي، ومن كبار الشيوخ الأحمدية في عصورهم، ولهم أضرحة بجوار ضريح جدهم بنفس الجامع.

مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي

جاء اسم الربعة الشريفة من الصندوق الذي يحفظ به أجزاء القرآن الكريم، وهو صندوق الربعة، وهو اسم يطلق على القرآن الكريم.

مجلداته

وهو مجزأ إلى ثلاثين جزء، وتحفظ في هذه صناديق مقسمة إلى ثلاثين قسم(11)، وهذا المصحف يعد غير كامل الأجزاء مكون من 22 مجلد بكل مجلد جزء واحد من القرآن الكريم.

وأبعاد المجلد 22 سم × 15 سم تم تجليده بالجلد الطبيعي القوي بداخله أوراق الجزء المثبتة فيه عن طريق خيط متين، والأجزاء الموجودة حاليا هي : 1، 2، 4، 5، 6، 7، 8، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 25، 26، 27، 28.

والمجلد الأول فقدت منه سورة الفاتحة، وأول سورة البقرة، وكذا عدة أوراق من معظم الأجزاء، ويعتبر المجلد من الوثائق المجمعة، والتي كانت تجمع ثم تحفظ في البداية بين لوحين من الخشب بينهما كعب، وأضيف إلى هذا التجليد البدائي كسوة من الجلد أو القماش ثم يقفل على كل ذلك بقفل(12).

كتابته وتجليده

وجاءت الزخارف المنفذة على تجليد أجزاء هذا المصحف عن طريق الضغط(13) فكونت زخرفة غائرة لها شكل يشبه ما يسمى البخارية عبارة عن جامه وسطى كبيرة أعلاها، وأسفلها جامه أصغر، ومن الجدير بالذكر أن أسلوب زخرفة أغلفة المصاحف قد ترك أثره في زخرفة كثير من أبواب المساجد المصنوعة من الخشب المصفح بالنحاس(14).

أما فيما يتعلق بكتابة هذا المصحف فقد حرص الناسخ على أن يدون آيات القرآن الكريم في سبعة أسطر ربما أراد أن تكون مساحة هوامش الصفحات، والمسافات بين الأسطر بقياس محدد، وجاءت هذه الأسطر داخل مستطيل أبعاده 16 سم × 9 سم تقريبا مزدوج الخطوط، وخط الناسخ الآيات القرآنية، والكلمات البادئة في الهامش السفلي للصفحات اليمني، وبعض التعليقات في الهوامش بالمداد الأسود(15).

أما عناوين السور القرآنية، وإشارات الأحزاب، والسجدات، وعلامات، ونهايات الآيات المستديرة بالمداد الأحمر، فأعطى اللونين مع لون الورقة شكل رائع، ومميز، ولم يغفل الناسخ ترقيم الأجزاء نفسها بأن رقمها بنفس طريقة ترقيم الصفحات.

فاستخدم أول كلمة من الآية الأولى للجزء الواحد كترقيم له، ويبدو أن كاتب هذا المصحف كان علي دراية ببعض أمور الدين، وأتضح ذلك من تعليقاته في هوامش الصفحات في تغيره لبعض عناوين السور مثل سورة الإسراء، فجعلها سورة بني إسرائيل، وسورة الممتحنة جعلها سورة الامتحان، ودون ناسخ هذا المصحف اسمه، وهو الشيخ السيد أحمد صيره في بعض صفحات أجزائه وتحديدا الرابع، والثامن، كعادة حرص بعض النساخ في أن يذكر اسمه في المخطوط الذي نسخه، وقد يغفل البعض ذكر اسمهم.

وهناك نوع يكتفي بذكر شهرته أو اسمه الأول(16)، وتعتبر هذه عملية تصديق على الوثيقة، وتسمى الرسمية أو الشرعية(17)، ومن الملاحظ في أحد أجزاء هذا المصحف ورد ذكر أسم (محمد أحمد صيره) دون إشارة لدور معين له في نسخ هذا المصحف، وقد يكون أحد أقاربه أو كان يعاونه في كتابة هذا المصحف.

حالة مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي الراهنة

يعاني المصحف بشكل عام من الرطوبة الشديدة، وتآكل في أطراف الصفحات، وآثار بقع مع تفكك لبعض الصفحات، وملاحظة كتابات بصورة عشوائية على بعض الهوامش، وأخيرا يعد مصحف جامع العارف بالله محمد الشناوي بمحلة روح إضافة للآثار الإسلامية لما له من قيمة أثرية، وفنية.

الهوامش

  1. البخاري (أبو عبد الله محمد بن إسماعيل) صحيح البخاري، طبعة بولاق، الجزء 2، ص210.
  2. فايزه الوكيل: أساس المصحف في مصر في عصر المماليك، رسالة ماجستير، 1981م.
  3. السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن)، كتاب الإتقان في علوم القرآن، الجزء 1، ص54.
  4. د/ أبو صالح الألفي: الفن الإسلامي – أصوله – فلسفته – مدارسه، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر، 1974م، ص251.
  5. د/ نعمت إسماعيل علام: فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية، الطبعة الرابعة، دار المعارف بمصر، ص301.
  6. شرف الدين يحيي بن المقر بن الجيعان: التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية، مكتبة الكليات الأزهرية، 1974م، ص90.
  7. محمد رمزي: القاموس الجغرافي للبلاد المصرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء 2، ص106.
  8. على باشا مبارك: الخطط التوفيقية الجديدة، طبعة بولاق، الجزء 15، ص29.
  9. عبد الوهاب الشعراني: الطبقات الكبرى، المكتبة التوفيقية، الجزء 1، 2، ص578.
  10. عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، مطبعة لجنة البيان العربي، الطبعة الأولى، 1964م، الجزء 3، ص48.
  11. فايزة الوكيل: المرجع السابق، ص103.
  12. فايزة الوكيل: المرجع نفسه، ص14.
  13. تعد هذه الطريقة من الطرق الصناعية لتنفيذ زخارف جلود المصاحف عن طريق الضغط على الجلد بآلة خاصة.
  14. فايزة الوكيل: المرجع نفسه، ص15.
  15. جاء في صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية – أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي سنة 1995م أن المداد الأسود والأحمر تستخرج هذه الأحبار من بعض النباتات والبعض الآخر من المعادن وتدرجت الأحبار السوداء حتى وصلت لقمة جودتها في العصر العثماني ولابد أن يذكر ارتباط صناعة الأحبار بصناعة الأقلام والمحابر والأوراق والتي كانت تصنع من شتى المواد حيث يعد خام الورق ويقطع ويصقل ويقوم على صناعته مجموعة من الصناع المدربين لهم خبرة دون غيرهم.
  16. د/ عبد الرحمن سليمان المزيني: المصاحف المخطوطة في القرن الحادي عشر الهجري، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ص33.
  17. سلوى ميلاد: الوثائق والأرشيف، دار الثقافة للطباعة والنشر 1982.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-