الشرق الأدني القديم مصطلح اطلقته اوروبا في القرن 19 علي الجزء من جنوب شرق اوروبا والذي كان خاضع للعثمانيين ويشمل ايضا منطقة الخليج العربي شرقا وشمال شرق افريقيا غربا واعالي اسيا الصغري وبلاد النهرين شمالاً.
الاهمية من دراسة تاريخ الشرق الأدني القديم
انها اقدم منطقة يتوافر فيها اقدم التواريخ والوثائق الاثرية التي تخص انسان العصر القديم واكثرها تنوعا ولا يوجد رقعة جغرافية بها مثلها، وعلي الرغم مما اكتشف بها فان ارضها مازالت تخبي الكثير لم يكتشف عنة بعد، فإذا كانت مصر متحفاً ، فأن الشرق الادني متحفاً عالمياً مترامياً الاطراف.
ولأنها منطقة نشوء الحضارات القديمة فظهرت فيها أولي وأقدم الحضارات وسبقت حضارات اخري كثيرة “الحضارة المينوية وحضارتي اليونان وروما والهند والصين” فإذا قارنا حضارة الشرق الادني بباقي الحضارات نجد انها سبقت حضارات اوروبا بما يزيد علي ألف عام وهذا من ناحية الجنوب الاوروبي، أما عن شمالها فلم تظهر فيها حضارة منظمة الا بعد سقوط الامبراطورية الرومانية في القرن الخامس وظلت منغلقة علي نفسها حتي عصر النهضة، ونفس الشئ في حضارات الجنس الاسود في جنوب القارة الافريقية وشرقها حيث حضارات ذات منتجات بسيطة مقارنة بالشرق الادني.
وبالنسبة للمنطقة الشرقية والتي يقطنها الجنس الاصفر “المغولي” لم تقم فيها الحضارة الا بوقت متأخر، حيث يوجد اعتقاد خاطئ بأن الصين دولة قديمة الحضارة لكن الاكتشافات الاثرية اكدت ان اول قطعة معدنية تشير لاستخدام الصين للمعادن حوال 1200 ق.م اي بعد استخدامها في مصر والشرق الادني بـ 3000 عام ونفس الوضع ينطبق علي الكتابة التي عرفت في مصر وبلاد النهرين وعيلام بإيران قبل ان يعرفها الصينيين بـ 2000 عام.
ما خلفه إنسان الشرق الأدني القديم
خلف انسان الشرق الادني القديم للاجيال التالية تراثا حضاريا غنيا بالنظم الادارية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية والعلمية والفنية والنجاح في العلاقات الخارجية والشواهد الاثرية خير دليل علي ذلك فكان انسان الشرق الادني اول من أنشا الحياة المدنية ذات الحكومات وما يجب ان يكون بين الحاكم وشعبة.
وهو اول من فكر في الديانة والمعتقدات الدينية، واول من وضع النظم الاجتماعية فظهرت اول مجموعة قانونية متكاملة تنظم القيم الجماعية والتقاليد والعلاقات ببلاد النهرين في عهد حمورابي “1792 – 1750” ق.م وتشريعات حور محب بمصر، وهو ايضا اول من وضع النظم الاقتصادية وطور معارفة بالزراعة والصناعة والتجارة ويذكر المؤرخون ان اليمنيين انشئوا عشرات السدود اشهرها سد مأرب كما اشتهرت الصناعات ببلاد الشرق الادني كالبردي بمصر والنسيج بسوريا حيث برع الفينقيون بصناعة النسيج والاقمشة الصوفية منذ الالف الثانية ق.م.
الفينقيون
وكان الفينقيون اقدم الشعوب التي عملت بالملاحة البحرية في العالم القديم وحملوا تلك المنتجات الي مختلف انحاء العالم القديم في موانئ البحر المتوسط وابعد من ذلك ايضا.. كما ظهرت اقدم الكتابات في عصور ماقبل التاريخ حوالي 3500 ق.م امثال حضارة الوركاء بالعراق ونقادة بمصر وحضارة عيلام بإيران واطلق عليها الكتابة العيلامية.
وظهرت الكتابة في وقت واحد بمصر وببلاد النهرين ولذلك يصعب تحديد ايهما اقدم كما اهتم ملوك الشرق الادني بالثقافة امثال “سرجون الثاني” 722 – 705 ق.م الذي انشأ مكتبة في نينوي وكان اكثرهم اهتمام بالثقافات هو “أشور بانيبال” 668 – 626 ق.م.
كما ابدع الشرق الادني في مجال العمارة ويكفينا ان نعلم بأن ثلاثة من عجائب الدنيا السبع القديمة والتي عُرفت عند اليونانيين موجود في بلاد الشرق الادني وهي هرم خوفو وفنار الاسكندرية بمصر وحدائق بابل المعلقة بالعراق وكذلك اهتموا بالموسيقي والغناء.
وعن العلاقات الخارجية فقد حققوا نجاح باهر بها ونري ذلك من صلات تجارية بين مصر وجيرانها ومن معاهدات الصداقة بين البلاد ورسائل تل العمارنة تثبت لنا ذلك وقد عقد الملك حور محب معاهدة مع مورسيل الثالث ملك الحثيين وكذلك عقد رمسيس الثاني معاهدة سلام ودفاع ومساعدة مشتركة مع خاستويل عام 1280 ق.م.
فضل حضارة الشرق الأدنى
ان لحضارات الشرق الادني القديم الفضل الكبير في نشأة الحضارة الاوروبية القديمة حيث استمدت حضارتي اليونان وروما الكثير منها بل ان ظهور حضارات في جزر البحر المتوسط كجزيرة كريت كان نتاج احتكاكهم بالفينقيين لقرب المسافة بينهم ولكن كان اقتباس اليونانيين مظاهر الحضارة من الشرق الادني بصورة غير مباشرة من خلال شعوب اسيا الصغري وبفضل الرحالة اليونانيين الذين توافدوا علي ايران والعراق وسوريا ومصر منذ القرن الخامس وسجلوا الكثير امثال فيثاغورس وطاليس.
ومن تلك المظاهر المستمدة الزراعة وصناعة الحديد والنسيج واستأناس الحيوان وزاد الاتصال بفضل حملة “الاسكندر الاكبر” علي الشرق ولكن الظاهر ان تلك الحملة حملت التأثيرات اليونانية علي الشرق لكن اذا ادققنا النظر نلاحظ الروح الشرقية فيها.
ومن تأثيرات الفينقيين في اوروبا
الحروف الهجائية فنحن نعرف ان اللغات الاوروبية الحديثة اصلها اللاتينية واللاتينية مأخوذة من الرومانية والرومان اخذوها عن اليونانية القديمة واليونان اخذت حروفها من الفينقية، ولكن لاننسي ان الكثير من حروف الابجدية الفينيقة مقتبسة من الخط الهيروغليفي !!!
ومن تأثيرات بلاد النهرين
مبادئ الرياضيات فيكفي ان نعلم ان الاصل الذي اقتبس منة عالم الرياضيات اليوناني “فيثاغورس” نظرياته كان من العراق القديم ومكتوب علي لوح من الطين المحروق ومحفوظ بمتحف الاثار ببغداد. كما استمد اليونانيين اراء الكلدانيين في علم الفلك والخرائط الجغرافية فما استطاع “طاليس” ان يعرف كسوف الشمس عام 585 ق.م دون فضل البابليين.
وفي مجال الادب تبرز لنا ملحمة الاوديسة للشاعر هوميروس وهي منقولة من إينوما ايليش البابلية وكذلك الاساطير اليونانية مقتبسة الشرق الادني ويتضح تأثير الفن الاشوري في الفن اليوناني.
ان الشرق الادني القديم هو صاحب الإرث الروحي والرصيد الديني الذي لايوجد لة نظير في اي منطقة بالعالم وقد تأثرت الكثير من ديانات الغرب بالمعبودات الشرقية لدرجة انهم بنوا معابد خاصة لها كمعبد ايزيس بروما. وبعد ذلك جاءت فترة ظهور الانبياء والرسل الذين خرج اغلبهم من الشرق الادني برسالات الايمان والتوحيد كسيدنا ابراهيم بالعراق ونوح الذي وقفت سفينتة في جنوبها وايوب بالجزيرة العربية وهود بالاحقاف وصالح بالحجر وشعيب بمدين ويحيي بفلسطين ولوط بالاردن؛ وكان ذلك تمهيدا لوضع الشرق الادني منبع الديانات والكتب السماوية حيث خرج منها موسي بالتوراة وعيسي بالانجيل واخر الانبياء والمرسلين محمد (ص) بالقران الكريم.
إن معظم اثار الشرق الادني مازال قائما حتي الان بإيران والعراق وسوريا ولبنان وتركيا والاناضول وغيرها من متاحف الدول الاجنبية.
كل تلك الاسباب التي ذكرت توضح لنا ان الشرق الادني القديم جدير باهتمامنا فلم يكن عالما غامضا او متخلفا بلمجتمع ذو حضارة رائدة عظيمة استفاد الكثير منها.
بداية الاهتمام بدراسة تاريخ الشرق الأدني القديم
لم تصبح دراسة تاريخ الشرق الادني القديم ممكنة وميسرة لولا الاكتشافات الاثرية التي حدثت في القرن ال19 من خلال البعثات الاجنبية .. وقد بدأت تلك الحفائر في اماكن العواصم القديمة ثم انتشرت بعد ذلك ومنها “سوس” بإيران و”بابل ونينوي ونمرود” بالعراق و”بوغازكوي” بالاناضول و”ماري واوجاريت” بسوريا ولبنان و”القدس والسامرة” بفلسطين و”تدمر” جنوب الاردن و”الفاو” بالجزيرة العربية ولم تكن تحقق تلك الحفائر النتائج المرجوة منها الا بفضل حل رموز الكتابات الشرقية القديمة وترجمتها ونشرها بمجلات اوروبا العلمية.
وقد بدأت اول الحفائر بأشور وخورسباد عام 1842م علي يد العالم الفرنسي “بوتا” وامتدت تلك الحفائر وانتشرت الي سوس بفضل الفرنسي “دي سازرك” 1877م ومنذ عام 1900 تقوم البعثة الفرنسية بعملها بسوس حتي الان .. وايضا العالم الالماني “وانكار” بمدينة بوغازكوي باسيا الصغري و”رينان” بسوريا العليا.
واذا ترجمنا تلك النصوص نجد انه لم يكن لشعوب تلك البلاد معني لمفهوم التاريخ وكل ما وصلنا هو تخليد لاعمال الملوك وانتصاراتهم واعمال دينية وادبية، ولكن بعض الكتبة دونوا التاريخ واشهرهم المؤرخ البابلي “بروسوس” الذي قام بكتابة تاريخ بلاد النهرين باللغة اليونانية بالقرن 5 ق.م ولكن ضاعت الاصول والمتبقي هي بضعة نسخ مقلدة في عصور لاحقة.
ويبدأ تاريخ الشرق الادني القديم بالعصور الحجرية التي تختلف ظهورها من بلد لآخر ثم العصور التاريخية بداية من الالف الثالثة ق.م وتبدا معها المرحلة التي استقرت فيها الجذور وتحققت معظم المظاهر الحضارية.
كانت تلك مقدمة موجزة عن تاريخ الشرق الادني القديم ونستكمل المرة القادمة حضارة بعض بلاد الشرق الأدني الادني والتي قسمها المؤرخون الي (حضارة العراق وايران – حضارة سوريا ولبنان – حضارة الجزيرة العربية).
المراجع
- تاريخ الشرق الادني القديم وحضارتة حتي مجئ الاسكندر الاكبر للدكتور رمضان عبدة.
- دراسات في تاريخ الشرق الادني القديم للدكتور احمد فخري.