الجديد

بداية العصور الوسطى (بحث كامل)

بادئ ذى بدء إمتد تاريخ أوروبا منذ بداية العصور الوسطى لمدة تزيد عن الألف عام تقرييًا بداية من القرن الرابع الميلادى تقريبًا وحتى القرن الخامس عشر الذى تلاه فترة مفعمة بالتقدم التكنولوجى فى شتى المجالات أطلق عليها مؤرخوا العصر الحديث فترة عصر النهضة Renaissance Age ففترة القرون الوسطى تستمد كيانها ومقوماتها من ثلاث أصول:

بداية العصور الوسطى (بحث كامل)

الحضارة اليونانية والحضارة الرومانية، والمسيحية بما أدخلته من تعديلات وتنظيمات كنسية تحمل فكر مغاير عما كان فى الوثنية، ففترة العصور الوسطى تقع مابين العصور القديمة والعصور الحديثة، فقبل تقسيم الدول الأوربية إلى ممالك وولايات تابعة للإمبراطوريات ودول مدن، كانت أوروبا تقريبًا تحكم من قبل سيد واحد وهو روما، كانت أغلب دول أوروبا واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية أكبر إمبراطورية عرفها العالم القديم أجمع.

ولكن كما نعلم ما من شئ إلا وله نهاية ولكل أمر مقدر له أن يقام إلا وله الزوال وان بقى طويلا فتلك هى فطرة الكون التى خلقنا عليها التواب الرحيم، شهدت هذه الحقبة أشكالًاعدة من التطورات فى شتى المجالات، فهى فترة أينعت ببيئة فجة شاعت فيها النزوات الضارية، والمطامع المادية والمسارات الحياتية البشرية.

ولعل من أبرز ما ميز تلك الحقبة هو سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية والتى تمخض عنها ظهور دويلات وممالك أقيمت على أنقاض هذه الحضارة اليانعة بغرب أوروبا، كاعتناق النصرانية بدلا من الوثنية، ونزوح العناصر البربرية إلى جوف أوروبا، وظهور الإقطاع Feudalism والملكية المستبدة، وظهور الفرسان و النبلاء، والحروب الصليبية التى لزمت العصور الوسطى رهطًا من الزمان، وأخيرا الصراع بين البابوية والإمبراطورية.

تقسيم العصور الوسطى

تم تقسيم العصور الوسطى عموما إلى مجتمعات مثل: المجتمع البيزنطى، المجتمع الأوربى، المجتمع الفارسى الذى لم يدم طويلًا، والمجتمع الإسلامى، ولا شك فى أن هذه المجتمعات تأثرت ببعضها البعض ونقل بعضهم من بعض بما يلائم عاداتهم وتقاليدهم حتى صار لكل مجتمع منهم حضاراته الخاصة.

وعلى أى حال فإن تراث العصور الوسطى استطاع أن يجمع ما بين الخير والشر فالشر مآله الزوال ولو طال والخير باقٍ بإذن الله تعالى ولو اندثرأثره وطفح أثر الشر وشاع الذى لازالت أثاره باقية حتى الآن فى مجتمعاتنا، كالفقر والعوز والجهل وعدم الوعى وعدم الأمن والإستقرار وسرعة تصديق الخرافات والإشاعات.

وما نراه باقيًا أيضًا فى ثوب جديد باسم مختلف حتى الآن هى محاكم التفتيش بأوروبا التى انتهزت الفرصة لكى تعتقل وتنتهك أعراض المسلمين فى العصور الوسطى، وديوان الزندقة فى المجتمع الإسلامى إبان العصر العباسى. كان أهم ماورثته أوروبا فى العصور الوسطى الديانة المسيحية من الإمبراطورية الرومانية القديمة، لذا عرفت تلك الحقبة بعصور الايمان The Faith Ages فانقسمت أوروبا مابين كاثوليكية فى الغرب وأرثوزكسية فى الشرق، والديانة الاسلامية من المحيط إلى الخليج.

كيف بدأت العصور الوسطى

للإجابة على هذا السؤال علينا بداية أن نعرض للقارئ دراسة بانورامية مصغرة عن أحوال أوروبا عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية 476م وخضوع العالم الأوربى للغزاة الجدد الجرمان، انقسمت فترة العصور الوسطى إلى ثلاث مجتمعات كبرى، وهى المجتمع البيزنطى الذى ورث الجانب الشرقى من الإمبراطورية الرومانية.

والمجتمع الثانى هو المجتمع الأوربى الغربى الذى عاش على أراضى الإمبراطورية الرومانية الغربية، والمجتمع الأخير هو المجتمع الإسلامى الذى نشأ فى المشرق بشبه الجزيرة الذى مالبث أن اشتمل على أجزاء كبيرة من ممتلكات الإمبراطورية الرومانية بالشام فضلا عن فارس التى صارت واحدة منه وكذلك الاجزاء الشمالية من القارة الافريقية حتى وصلوا للأندلس بغرب أوروبا.

المجتمع البيزنطى

اتخذ المجتمع البيزنطى من الديانة المسيحية ديانة رسمية له شأنه شأن المجتمع الأوربى، ولكنه اختلف عنه فى المذهب حيث استقر على المذهب الأرثوذكسى بما يخالف كنيسة روما المتبعة المذهب الكاثوليكى وعليها تبعتها كنائس دول الغرب الأوربى، اتخذ هذا المجتمع من القسطنطنية عاصمة له التى ضمت شعوبا وقبائل مختلفة منها ماهو اغريقى وما هو سلافى وما هو آسيوى.

كانت الإمبراطورية البيزنطية مشعل الحضارة الإنسانية فى العالم المسيحى فى العصور الوسطى فى الوقت الذى غزت فيه الشعوب الجرمانية والعناصر السلافية أقطار أوروبا. نجحت بيزنطة فى جذب هذه الشعوب إلى حضارتها فأبعدتها عن إطار الهمجية الأمر الذى جعلها مدانة للحضارة البيزنطية التى أنجبت من خلالها رجالًا عظام وجنودًا أكفاء ودبلوماسيين مهرة.

ولعل إطلاق مسمى الإمبراطورية الرومانية الشرقية كان من قبل جستنيان وذلك حسب ماورد لنا فى المصادر، فهى ليست الإمبراطورية الرومانية القديمة وليست الإمبراطورية البيزنطية التى عرفت بحدودها فى الشطر الاول من العصور الوسطى، ففى الواقع استطاع أن يحتل جستنيان مكانة خاصة فى تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، فعرفه التاريخ بميوله وأفكاره اللاتينية.

فإختلف عليه المؤرخون منهم من رفعه إلى القمة ومنهم من اتهمه وخلاصة الحديث نستطيع القول أن جستنيان حكم فترة ليست بالقليلة على العرش البيزنطى، وصلت إلى ثمانى وثلاثين عامًا قدم فيها العديد من المشروعات من أعمال عمرانية ولوائح وقوانين منها ماهو مدنى وماهو كنسى جمعها فيما يرف بالمجموعة القانونية التى صاغها وشرع فى تنفيذها.

المجتمع الأوربى

كان هذا المجتمع يتألف من عناصر الإمبراطورية الرومانية الغربية أى المواطنين التى منحتهم الإمبراطورية الرومانية حقوق المواطنة الكاملة، والعناصر التى وفدت إليه على شكل هجرات أو غزوات فيما عرف “بعصر الهجرات أو الغزوات الجرمانية” بداية من القرن الثانى الميلادى والتى بدورها كانت إحدى أدوات الإنتقال من العصور القديمة إلى العصور الوسطى المبكرة، حاملة معها حضاراتها وثقافتها إلى أراضى الإمبراطورية الرومانية مختطلة بحضارة المجتمع الرومانى.

فنتج لنا مجتمع جديد يجمع مابين الحضاراتين، اعتنق أهله الأريوسية ثم مالبث أن تركها وذهب لاعتناق المذهب الكاثوليكى، وهؤلاء الجرمان كان يعرفهم الرومان بمسمى البرابرة Barbaros لا لكونهم شعب يتصف بالهمجية بل لأنهم كانوا اغراب عن الحضارة الرومانية ولاينتموا لها لا من قريب ولا من بعيد حيث كانت لهم حضارتهم الخاصة ولغاتهم الخاصة.

وبالفعل لم يأتيا القرنين الرابع والخامس الميلاديين إلا ونجحوا فى إسقاط الإمبراطورية الرومانية وحلت محلها ممالك عديدة وهى: مملكة الفرنجة Franks – مملكة القوط الغربيين Visigoths – مملكة القوط الشرقيين Ostrogoths– مملكة الوندال Vandal وغيرها وهكذا حلت دول صغيرة محل الإمبراطورية الرومانية فى المكان نفسه، وعلى أثره انتقل نظام الحكم من روما العاصمة إلى القسطنطنية ومنذ ذلك الحين لم يجلس على عرش روما إمبراطور رومانى قط وانتقلت المقاليد السياسية والدينية إلى أسقف روما.

المجتمع الإسلامى

ظهر هذا المجتمع بمجرد ظهور الإسلام، فصار له دولته المميزة عن سائر المجتمعات الموجودة آنذاك حيث استمد حضارته من مفهوم الشريعة الإسلامية وتطبيقها على أرض الواقع حيث بدأ صغيرًا مع الدعوة المحمدية التى دعى بها رسول صلى الله عليه وسلم قومه حتى انتشرت فى ربوع مكة والمدينة ثم أراضى شبه الجزيرة العربية ثم الفوتحات التى بدأت فى عهد الفاروق عمر رضى الله عنه.

وما لبث ان انتشر سريعًا وساد أقاليم واسعة حتى وصل من حدود الصين شرقا حتى الأندلس غربا. قدم العلماء المسلمون للعالم الإسلامى والغربى من نهضة علمية فى شتى المجالات ولاسيما فى فترة العصر الذهبى للإسلام الذى امتد من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر بل حتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادى.

فقد ساهم كلًا من؛ التجار والصناع والشعراء والعلماء والأدباء والملاحين والجغرافيين والفنانين والمهندسين والتجار فى بزوغ الحضارة الإسلامية وتربعها على عرش الحضارات وقتئذ بفضل جهود هؤلاء المسلمون البارعون فى شتى المجالات حتى صار العالم الإسلامى مركزًا للفكر والحضارة والعلوم.

كيف يمكن لنا تحديد بداية العصور الوسطى

كما نعلم أن بطبيعة الحال صعوبة تحديد الإطار الزمنى لعصر ما وتمييزه عما سبقه أو ما لحق به، أى من الصعب القول أن العصور الوسطى أو غيرها من العصور تبدأ فى عام معين وتنتهى فى عام آخر، فحركة سير العصور التاريخية تسير مثل أطوار النمو لدى الكائن الحى والإنسان.

أى انها حركة غير محسوسة فهى سلسلة من الأحداث متصلة ببعضها البعض يصعب الفصل بين حلقاتها، إلا اذا تركت لنا حادثة يتم على أثرها تغيرات جذرية وحضارية مميزة عما سبقتها، نستطيع من خلالها القول بأن هناك عصر جديد أتى بحضارة مختلفة وأحداث تاريخية مختلفة عما سبقتها أو لحقتها.

وعلى أثر ذلك اجتمع الباحثون والمؤرخون فى وضع شواهد وأحداث تدلى لنا كيفية الإنتقال من العصور القديمة إلى العصور الوسطى المبكرة، وقد ساقوا هذه الشواهد عبر نظريات كل منها تهدف لتحديد إطار زمنى للعصور الوسطى فهيا بنا معًا لعرض تلك الشواهد والأطاريح.

النظرية الأولى حول بدايه العصور الوسطي

رأى البعض أن العصور الوسطى بدأت عندما حلت بالإمبراطورية الرومانية أزمات طاحنة 235م اعتصرتها فى شتى النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى أصابها الوهن وهذه الأزمة عرفت بـ أزمة العالم الرومانى أو أزمة القرن الثالث الميلادى وهو المسمى الأكثر شهرة وعرفت أيضًا بـ الازمة الإمبراطورية أو الفوضى العسكرية.

والذى نجم عنها التدهور الاقتصادى والفساد الأخلاقى، نتيجة تدخل الجيش الرومانى فى شئون الإمبراطورية، بل وعزوفه عن دوره الرئيسى فى حماية الإمبراطورية وانصرافه إلى الصراع حول العرش، فضلا عن الغزاوت والهجرات الجرمانية التى هجمت على الإمبراطورية كالجراد الزاحف الذى لا يمكن التصدى له وذلك بالحدود الشمالية والغربية من الإمبراطورية.

بل نضف إلى هذه الأخطار خطر أخر كاد أن يودى بالإمبراطورية الرومانية ويقضى عليها تمامًا وهو خطر تطلع الإمبراطورية الفارسية عند الحدود الشرقية وطموحاتها التى لا تفتر ابدًا حتى إلى يومنا هذا، فكانت تهدف للسيطرة على الولايات الشرقية للإمبراطورية البيزنطية.

وهذا كله إلى جانب الثورات والتمردات الداخلية التى دبت فى أوصال الإمبراطورية والتى انتهت باعتلاء ديوقلديانوس Gaius Aurelius Valerius Diocletianus Augustus عرش روما 284م، حيث أحدث إصلاحات جذرية فى شتى الميادين وعلى أثر ذلك اعتبر أصحاب تلك النظرية أزمة القرن الثالث لميلادى كافية بأن تكون شاهد على بداية العصور الوسطى.

النظرية الثانية حول بداية العصور الوسطى

رأى أنفار من الباحثين أن صعود ديوقلديانوس على عرش روما 284م وإحداث العديد من التغييرات الإصلاحات التى أعادت للإمبراطورية الحياة من جديد هو بداية معقولة للعصور الوسطى وخاصة انه يعد عصر جديد للخروج من أزمة التى حلت الإمبراطورية وتقسيمها إلى شطرين شرقى وغربى وخلق نظام جديد عرف بـالحكومة الرباعية عده المؤرخون ثورة هائلة رممت ما وهى من الإمبراطورية الرومانية من الداخل ثم نقله للعاصمة من روما إلى ميلان لتحكمها فى معظم ممرات الألب.

فضلا عن ذلك أدخل العديد من النظم والقوانين التى جعلت من الإمبراطور شخصًا فوق القانون (القانون الرومانى) لدرجة تصل الى التأله، كما أنه ترك العاصمة روما واتخذ من نيقوميديا مقرًا له، وفوق كل هذا موقفه المعادى للمسيحية فعرف عصره بـ “عصر الإضطهاد الأعظم أو عصر الشهداء ” لكثرة ماستباحه من أعمال قتل وسفك لكل من اعتنق تلك الديانة بعد أن كان متسامحا معهم فى البداية، وصار عام 284م هو بداية التقويم القبطى وهو العام نفسه الذى اعتلى فيه ديوكلتيانوس العرش.

النظرية الثالثة حول بدايه العصور الوسطي

رأى أتباع تلك النظرية وعلى رأسهم المؤرخ هـ. س . موس فى كتابه “ميلاد العصور الوسطى” بأن عصر قسطنطين الكبير بما أحدثه من تغييرات مثل نقل العاصمة من روما إلى أرض المشرق القسطنطينية وقضاءه على الحرب الأهلية، وما صاغه عام 313م من ميثاق المتعارف عند المؤرخين بمرسوم ميلانو Edict of Milan يعد مدخلًا طبيعيا للعصور الوسطى.

حيث جعل من المسيحية ديانة معترف بها من قبل الحكومة الرومانية إلى جانب الديانات الأخرى كاليهودية و الوثنية. فكما نعلم أن المسيحية كانت حبيسة لوعاء من الاضطهادات طيلة القرون الثلاث الأولى، فضلًا عن نقله للعاصمة إلى القسطنطنية. ونتيجة لما سلف ذكره إجتمع الإمبراطوران قسطنطين العظيم Gaius Flavius Valerius Aurelius Constantinus وليكونيوس Gaius Valerius Licinianus Licinius Augustus الذى شاركه فى صياغة مرسوم ميلانو 313م الذى بمقتضاه تم اطلاق سياسة المسامحة فيما يتعلق بالحرية الدينية والإعتناق لكل رعايا الإمبراطورية فصارت ديانة معترف بها ولكن غير رسمية.

النظرية الرابعة حول بدايه العصور الوسطي

ذهب أصحاب ذلك الرأى بأن عصر الإمبراطور جوليان أو يوليان أو يوليانوس المرتد (361م-363م) Flavius Claudius Iulianus Augustus الذى لم يستمر فى سدة الحكم سوى عامين هو العصر الأنسب ليكون بداية موفقة للعصور الوسطى، وسمى بالمرتد لأنه ارتد عن النصرانية إلى الوثنية الشركية محاولًا تقنينها متبعًا فى ذلك سياسة القتل البطئ للنصارى.

الإمبراطور جوليان أو يوليان أو يوليانوس المرتد

فهو النهاية الحقيقة على حسب زعمهم للعصر الرومانى المتأخر الوثنى فسمى عصره “بصحوة الموت الأخيرة للوثنية” حتى جاء ثيودسيوس Flavius Theodosius Augustus وجعل من المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية فى مرسوم صاغه عام 381م ثم قضى على الوثنية نهائيا بمرسوم آخر عام 391م.

النظرية الخامسة حول بداية العصور الوسطى

أما أصحاب تلك النظرية فهم يرون بأن عام 395م هو بداية صالحة للعصور الوسطى فهو العام الذى انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى شطرين مابين أركاديوس Flavius Arcadius Augustus فى الشرق وهونوريوس Flavius Honorius Augustus فى الغرب، وذلك عقب وفاة والدهما ثيودسيوس.

فالأول مقره القسطنطنية والأخر مقره رافينا Ravenna بشمال إيطاليا. وعليه اتخذ أصحاب تلك النظرية هذا العام بداية للعصور الوسطى رغم أن ذلك التقسيم لم يكن سوى تقسيم إدارى غير سياسى على اعتبار أن فكرة الوحدة للإمبراطورية ظلت قائمة، إلا أن الأمور لم يدم لها البقاء السير على هذا الخطى فقد شقت كل من شطرى الإمبراطورية طريقا يختلف عن الآخر .

النظرية السادسة حول بداية العصور الوسطى

اختار أصحاب تلك النظرية عام 376م كى يكون نهاية للعصور القديمة وبداية للعصور الوسطى وهو العام الذى تم تحويل إحدى عناصر الجرمان وهو عنصر القوط الغربى إلى النصرانية الآريوسية بدلًا من الوثنية وذلك على يد الأسقف الأريوسى أولفيلاس (310-383م).

فبذلك التحول أحدث تغيرًا لم يكن متوقع لعوامل الربط بين الإمبراطورية الرومانية وجيرانها من القوط الغربى القابع بالضفة الشمالية من نهر الدانوب. بل تم السماح لهم من أباطرة الشرق بعبور ذلك النهر والإستقرار فى قلب الإمبراطورية البيزنطية الشرقية.

النظرية السابعة حول بداية العصور الوسطى

إلا أن هناك من شهد بأن عام سنة 378م هى نقطة البداية الحقيقية للعصور الوسطى وذلك لأنها السنة التى شهدت فيها إحدى المعارك الطاحنة فى أوروبا التى دارت رحاها بين الإمبراطورية البيزنطية بقيادة الإمبراطور فالنز 364-378م Flavius Julius Valens Augustus والقوط الغربيين بزعامة فيرجيرناس Fritigernus عند إقليم تراقيا بمدينة أدرنة التى حملت المعركة اسمها وهى أدريانوبل Battle of Adrianople والتى انتهت بمصرع الإمبراطور فالنز.

النظرية الثامنة حول بداية العصور الوسطى

وبعض المؤرخين دارت آرائهم حول سقوط العاصمة روما للإمبراطورية الرومانية الغربية مرتين هو البداية التى تعد مناسبة للعصور الوسطى، فالأولى 410م على يد ألاريك Alaric القائد القوطى وفيها سقطت العاصمة روما وفر هونوريوس إمبراطور الغرب إلى رافينا ليجعلها عاصمة لحكمه.

والثانية عام 476م على يد أودواكر Odoacer زعيم الهرول _إحدى العناصر الجرمانية_ الذى أسقطها بل وعزل إمبراطورها الأخير رومولوس أغسطولس 475م من رافينا إلى إيطاليا مع تخصيص راتب له، فهو لم يبلغ سوى اثنتى عشرة عامًا.

النظرية التاسعة حول بداية العصور الوسطى

اعتبر هذا الفريق بأن عصر الإمبراطور جستنيان 527- 565م إمبراطور الشرق Flavius Petrus Sabbatius Iustinianus Augustus وما أحدثه من مجهودات حربية هائلة حاول من خلالها استعادة النصف الغربى لأحضان الإمبراطورية الشرقية هو البداية الصالحة للعصور الوسطى.

الإمبراطور جستنيان 527- 565م إمبراطور الشرق

وبالفعل تمكن من إخضاع الغرب الجرمانى ولو لحين تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية وعلى أثر ذلك اعتبر الباحثون والمؤرخون جستنيان ليس بيزنطيًا وإنه امتدادًا للأباطرة الرومان أى إنه أخر إمبراطور رومانى حكم الإمبراطورية الرومانية القديمة وأن عصره يمثل انتقال حقيقى من العصور القديمة للعصور الوسطى.

وامتدادًا لتلك النظرية اعتبر أن مابعد جستنيان هو عصر الانتقال من العصور القديمة للعصورالوسطى حيث بعد وفاة جستنيان لم يكن هناك أى محاولات لإحياء الإمبراطورية الرومانية الغربية التى قضى عليها الجرمان تاركين الغرب وممالكه الجرمانية يحدث تكوينًا جغرافيًا وحضاريًا جديدًا.

النظرية العاشرة حول بداية العصور الوسطى

رأى أنفار آخرون أن العصور الوسطى تبدأ فى ليلة عيد ميلاد العام 800م تلك الليلة التى توج فيها البابا ليو الثالث Leo III الإمبراطور الفرنجى شارلمان 768- 814م Charlemagne إمبراطورًا على الغرب الأوربى فى كنيسة القديس بطرس بروما بما فى ذلك إشارة دامغة على انفصال الغرب الأوربى عن التبعية للإمبراطورية الشرقية ككيان مستقل يختلف عن النمط الرومانى القديم المتعارف عليه.

حتى وإن كان يحمل بعض التأثيرات الرومانية فهذا واردًا وطبيعيًا فالمدة التى استمرت بها تلك الإمبراطورية الضخمة ليست بالقليل، فالمسمى بات واضحًا بل وصار له طابعًا خاصًا ومختلفًا عما كان لهذا الكيان حيث أطلق عليه الإمبراطورية الرومانية المقدسة كى يتلائم مع مقتضيات الظروف والتغييرات التى طرأت عليه فى شتى نواحى الحياة.

وبعيدًا عن كل ذلك، ليس من اليسير الجزم بهذه الدراسات على أن إحداها هى الصواب وغيرها هو الخطأ، فعلى الرغم من وجاهة بعض تلك الآراء حول البداية الحقيقية للعصور الوسطى إلا إننا لا نستطيع الإقرار بتحديد البداية الحقيقية لتلك العصور بشكل دقيق، فالعوامل الداخلية الغير ملموسة هى السبب الرئيسى خلف هذا التحول بشكل أو بآخر، فقد تمتد فترات الإنتقال بين الفترات التاريخية لعشرات السنين.

فما ذهبت إليه كل تلك النظريات لم تخرج عن القرن الرابع إلا بعضهن أى أن هذا القرن قاسمًا مشتركًا بينهم، وذلك لأنه القرن الذى آوى أغلب تلك الأحداث حيث شهد تطورات فى مجالات عدة منها ماهو سياسى وماهو حضارى والذى كان له الأثر الأكبر فى التغير الذى طرأ على المجتمع الأوربى.

المراجع

  • طارق منصور، هانى البشير: مدخل إلى تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى، مكتبة الرشد، د.ت.
  • عبد العزيز رمضان: معالم تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى، د.م، د.ت.
  • محمود سعيد عمران: حضارة أوروبا فى العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعية، الأزاريطة، 1998.
  • محمود سعيد عمران: معالم تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى،دار المعرفة الجامعية، الأزاريطة، د.ت.
  • نعيم فرح: الحضارة الأوربية فى العصور الوسطى، ط2، منشورات جامعة دمشق، 1420ـ – 1421هـ.
  • هـ.و.ويفز: أوروبا فى العصور الوسطى، ترجمة:عبد الحميد حمدى محمود، ط1، مساء المعارف، الإسكندرية، 1958.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-