الشئ الغريب في الحب انه رغم اننا بنشعر بيه بشكل غريزي وداخلي الا ان الحب ليه تاريخ ، بمعني ان البشر مش دايما كانوا “بيحبوا” بنفس الطريقة اللي بنحب بيها دلوقتي او مكانش عندهم نفس الافكار والمثل عن الحب اللي بنملكها في وقتنا الحاضر.
تاريخ الحب عبر العصور
الغرض من اننا نتكلم عن تاريخ الحب هوا اننا نبين ان تنظيم العلاقات كان دايما شئ متغير مش ثابت وبيعتمد علي النسق الفكري اللي المجتمع بيؤمن بيه، الحب من المنظور ده بتبان حقيقة انه “ابتكار ثقافي”، ومازال مفهومه بيتطور وفي الواقع احنا ممكن نكون لسة في بدايات “تاريخ الحب”، لسة بنحبو خطواتنا الاولي من اجل الوصول لعلاقات ناجحة وسعيدة، او بكلمات اخري من اجل “حب” افضل.
شكل الحب عام 1775 قبل الميلاد، مملكة ماري، سوريا القديمة
الملك زيمري لين ملك ماري السورية القديمة بيتزوج ملكة مملكة يامهاد المجاورة ليه، الزواجة دي ابعد ما تكون بسبب الحب، زيها زي اغلب زيجات العالم قديما كانت بداعي المصلحة بشكل كامل، مملكة ماري بتقع في مكان حيوي جدا علي طريق التجارة بين سوريا وبلاد الرافدين، والملك بالجوازة دي بيقوي سيطرته ونفوذه علي الطريق ده وبالتبعية علي حركة التجارة ككل.
موقفه من فكرة الزواج امتدت لبناته، قام بتزويج 8 منهم الى 8 ملوك من الممالك المجاورة وكتب كل ملك منهم وثيقة تعهد بالولاء لحماهم، الشئ اللي دعم حكمه وقوة ملكه.
الزواج في سوريا القديمة زي ما هوا واضح ملوش علاقة بالعاطفة علي الاطلاق، هوا مبني حصرا علي المنفعة المادية، ودي فكرة “مستهجنة” تماما في عالمنا اليوم، كلنا بنرفض او على الاقل بندعي رفض زواج المصلحة بشكل قطعي، الا انه من كام الف سنة العكس التام هوا اللي كان قاعدة، فكرة الزواج بدافع “الحب” فقط اللي احنا بنقدسها اليوم كانت مثيرة للضحك بالنسبة للقدماء !!!!
شكل الحب عام 1147 ميلاديا، مدينة بلاي، فرنسا
امير مدينة بلاي الفرنسية بيعد نفسه للخروج في رحلة لمدينة طرابلس في الشام لملاقاة “حبيبته” اللي بيعشقها بشدة.
الامير ده كان برضه احد اوائل من كان يطلق عليهم ال troubadours او الشعراء الرومانسيين المهرة اللي ظهروا بقوة في فرنسا القرن ال12 وكانوا بيكتبوا اشعارهم واغانيهم حصرا عن الحب، وكتب الامير الشاعر قصايد كتير في حب حبيبته، بس الاهم كانت فكرته عن الحب اللي كانت جديدة تماما علي المجتمع وقتها واللي تتلخص في ان الحب والارتباط ملهومش اي علاقة بالمصلحة المادية تماما، ارتباط مبني علي “العاطفة” فقط، لا الاولاد ولا توطيد علاقات مادية واقتصادية وسياسية، فقط “الحب والعاطفة”.
حتي الحب عنده مكانش “جنسي” بالاساس، كان مركز اكتر علي فكرة الافتتان بالمحبوب او بالتعبير بتاعنا دلوقتي ال crush.
امير بلاي احب “معبودته” بدون رؤيتها من الاساس، ولسوء الحظ اثناء رحلته الطويلة ليها مرض، الا ان قصته بتنتهي بالنسباله “نهاية سعيدة” لما بيفتح عينه لثواني معدودة وبيلاقي نفسه بين زراعيها وبيموت في خضنها !!!
فصيل ال troubadours كانوا جادين جدا فيما يخص الحب لكنهم عمرهم ما ربطوه بالزواج، الحب الرومانسي عندهم سره انك تحب محبوبك بلا داعي للحياة معه تحت سقف واحد بقوانين واتيكيت الزواج التقليدي المملة، وقد يكون ده سر قوته كفكرة، النوع ده من الحب مفيهوش ضغوطات من نوعية الخناق علي مكان تعليق الفوط مثلا، دي لحظة فارقة بتظهر لاول مرة في تاريخ العلاقات حيث الحب منفصل تماما عن المصالح المتبادلة وعن الزواج ككل وضغوطاته.
الحب عام 1745، ڤيرساي، فرنسا
مادموزيل چان انطوانيت بارسون الشابة فائقة الجمال بتدخل القاعة الملكية علي الملك لويس ال 15 وهيا بكامل زينتها وبتنحني امامه 3 مرات متتالية عشان تصبح بشكل رسمي حسب اعراف الوقت ده his chief mistress اللي افضل ترجمة ليها “عشيقته الرئيسية” !!!
لويس كان متزوج في الوقت ده لمدة 20 سنة، لكن الزواج في الوقت ده مكانش معناه “الاخلاص”، الزواج ده من اجل الدولة والمصالح والاولاد، اما العشيقات فللحب والاثارة والجنس، ومحدش ب يتضايق من ده، هوا ده كان الطبيعي بتاعهم !!!
في ڤيرساي في القرن ال18 كان في قبول عام ان الزواج والحب لا يمكن الجمع بينهم، زي ما قولنا الزواج للاولاد والاستقرار والمصلحة، اما الحب فللاثارة والجنس، ومن الخطأ محاولة الجمع بينهم.
تبدو رؤيتهم العاطفية سيئة، لكن نظرة اعمق هنجد انهم بده تحاشوا اللي كتير مننا بنعمله دلوقتي في الخفاء لما بنخون شركائنا وبنتسبب ليهم في جروح عميقة، دي كانت اول مظاهر ما نطلق عليه اليوم ال open relationship !!!
الحب عام 1812، مدينة جريتنا جرين، اسكوتلندا
حبيبين انجليزيين بيتزوجوا في مراسم سرية، احد ابناء عيلة كبيرة وغنية واحدي بنات عيلة فقيرة، اهاليهم هما الاتنين مكانوش راضيين بالجوازة، لكنهم هما “حبيبين حداثيين” مما يعني ان الحب يأتي اولا قبل رضا الاهل وقبل المصالح العملية، فاضطروا يروحوا لمدينة جريتنا جرين الاسكوتلاندية عشان يتزوجوا بعيدا عن وطأة القوانين الانجليزية.
باللي عملوه ده اعلنوا ميلاد فلسفة جديدة للعلاقات بتعلي من الحب والاندفاع العاطفي فوق العقل والتقاليد، ده كان بمثابة “الاعلان الرومانتيكي” اللي بتتحول طبيعة وهدف الزواج فيه من المصلحة للحب حصرا.
كتير من الشباب والفتيات الانجليز هيحذوا حذو الزوجين دول، ومدينة جريتنا جرين هتبقي قبلة الزواج ده، احد قساوسة المدينة هيألف كتاب بيسجل نوادر الزواج في المدينة من فرحة الازواج وحزن وغضب اهاليهم اللي مبيلحقوش يمنعوا زواج ابنائهم بدون رضاهم.
“وحده الحب يهمنا” ده كان شعار الزواج في جريتنا جرين، رضا الاهل مش مهم، بالعكس دول دايما مبيهمش سعادة ابنائهم وبيهتموا فقط بمظهرهم الاجتماعي ومصالحهم فرأيهم لا يجب ان يعتد بيه !!!
دايما عندنا اعتقاد اننا لو مقبلين علي تجربة جديدة فالافضل اننا نستشير اهل الخبرة، جريتنا جرين هيا نقطة التحول لعكس المعتقد ده فيما يخص العلاقات، كبار السن من الاهالي اللي سبق ليهم الزواج “بشكل تقليدي” لا يصلحوا كمرشدين عاطفيين، الحب “حماس واندفاع” وليس “مهارة يمكن تعلمها”.
الحب عام 1813، لندن، انجلترا
محبي وقراء الاديبة العظيمة “چاين اوستين” هيبقوا مشدودين جدا لاخر رواياتها “كبرياء و هوي” اللي فيها بيتقدم الشاب الثري الوسيم دارسي للفتاة اليزابيث اللي من عيلة بسيطة الحال، بترفض اليزابيث عرضه رغم احتياج اسرتها لامواله، ببساطة لانها مبتحبوش لانه شخص متعجرف.
الرواية بتروج لفكرة الزواج العاطفي من الدرجة الاولي، لكن شئ جديد بيظهر علي ايد اوستين في الرواية دي، وهوا الاهتمام بالجانب المادي بجانب العاطفى، دارسي واليزابيث هيتجوزوا بعد احداث كتير بيمروا بيها وبتغيرهم وبتخليهم يحبوا بعض وكل منهم “بيصلح اخطاء الاخر” و “بيستفيد من مزايا الاخر”. دارسي بيتنازل عن “كبريائه وغروره”، واليزابيث بتتنازل عن ” هواها وحكمها المسبق”.
بتظهر هنا فلسفة جديدة للعلاقات، الزوجين لازم يكملوا بعض، وزي ما الزواج من اجل المصلحة المادية فقط شئ كارثي، عدم الاهتمام بالجانب المادي للزواج حماقة كبيرة.
العلاقة الناجحة بتطلب “قلب كبير” لتسيير الشق العاطفي وايضا “عقل كبير” لادارة الجانب المادي، عشان كدة اوستين كانت بتشوف ان نجاح العلاقات شئ صعب للغاية، ورواياتها كانت دايما بترصد ده، اغلب العلاقات والزيجات بتبقي فيها مشاكل كبيرة وقليل منها بينجح.
مع مطلع القرن ال19 وضعت اوستين لبنة فلسفة حكيمة جدا عن الحب والزواج بتصويره كمؤسسة متعددة المستويات والمهام، يلزمها جانب اداري مادي قوي بجانب اهتمام عاطفي فائق.
الحب عام 1859، لندن، انجلترا
بينشر تشارلز داروين كتابه “اصل الانواع” اللي بيسبب ضجة كبيرة جدا، في الاول بيقابل برفض وممانعة شديدين الا ان العالم تدريجيا بيقتنع بحججه، الانسان كائن متحدر من الحيوانات العليا وليس فتي السماء المدلل !!!
بدون قصد منه داروين بشر برؤية سوداوية متشائمة للعلاقات، بدل الاعتقاد السائد اننا كائنات بتقدس الزواج الفردي اشار داروين اننا محبين للعلاقات المتعددة والعابرة واحيانا حتي ممكن نخرج من علاقة قديمة وعميقة جدا بسبب اننا وجدنا شريك اخر ذو صفات جسدية بتعطي مزايا تطورية اكبر !!!
الحب عام 1965، سان فرانسيسكو، اميريكا
بيخرج شخص يدعي چيفرسون بولاند عاري تماما واضعا وردة ورا اذنه وبيسبح بالوضع ده امام الجميع، العالم بيشهد ظهور مجموعات “الهيبيز”.
الجماعات دي بتبشر بالعودة ل “الحالة الطبيعية” البسيطة اللي بدون تعقيدات العالم الحديث، لا داعي للملابس و لكل القيود اللي بتوضع علي ممارسة الجنس بشكل حر، الجماعات دي اللي ظهرت في ستينات القرن الماضي في اميريكا كانت بتنادي بالحرية الجنسية التامة وان كل القواعد اللي وضعت ضد زواج المثليين والجنس قبل الزواج مثلا ما هيا الا نوع من “القهر الجنسي” !!!
بعد كدة حتي الزواج نفسه هيبقي موضع ريبة ورفض من الجماعات دي اللي نادت بالتخلي عنه وبالتالي التخلي عن مفاهيم الغيرة والخيانة والزنا !!!
رؤية رومانسية حالمة جدا وذات رونق جذاب، الا انها هتنهار مسببة كوارث زي ما هنشوف في النقطة الجاية !!!
الحب عام 2015، بلچيكا
نسبة الطلاق في البلد الاوروبي الصغير ده بتسجل رقم غير مسبوق، 71 % !!! في تقصيها للاسباب قالت احد الصحف ببساطة “التوقعات والامال الاولية لم تحقق”.
النسب في دول غربية اخري كتير مش بعيدة عن كدة، انجلترا 42 %، اميريكا 53 %، المجر 67 %، البرتغال 68 % !!!.
اهم اسباب الفشل ده هوا الوعود الوردية اللي قدمتها حركات التحرر الستينية وقبلها رومانتيكية القرن ال19 اللي بتتكسر علي عتبة الواقع.
ببساطة حتي اكتر الناس ذكاءا بيعبروا دايما ان “الحب الرومانسي” شئ غير مفهوم بالنسبالهم !!!
الامل المستقبلي للحب يكمن في فكرة التضحية والتنازل، نبقي عارفين اننا صعب ناخد كل حاجة عايزينها من العلاقات، اه العلاقات والزواج احيانا بيبقوا صعبين جدا، الا اننا كائنات اجتماعية لا تعيش في عزلة، عشان كدة لازم نبقي فاهمين ان العلاقات الصعبة مهما كانت فهيا افضل من الوحدة، لازم نطور عندنا مفهوم “النسبية العاطفية”، اننا نتخلي عن معيار ال 100 % ونقيم علاقاتنا بواقعية وان النجاح النسبي فيها شئ مش سئ علي الاطلاق.