كتير مننا بيسأل السؤال ده ايه افضل طريقة في رفع الروح المعنوية للاشخاص المحبطين والمكتئبين ؟! وده اللى جاوب عليه بليز باسكال فإحنا دايما فيه اعتقاد اننا لازم نبقي متفائلين معاهم ونوعدهم بان كل شئ هيكون علي ما يرام، وانهم بايديهم يبقوا سعداء وان السعادة شئ حقيقي وممكن تحقيقه، ده المعتاد.
لو انتا من اللي المقاربة دي بتصيبهم بالغثيان والنفور فانصحك تكمل قراية المقال ده لاننا هنتكلم عن فيلسوف عظيم كانت اهم اسهاماته الفكرية هيا قلب المعادلة دي رأسا علي عقب، بليز باسكال.
بضع صفحات قليلة في رائعته “الخواطر” كفيل بنسف المقاربة المتفائلة دي، لكن ايضا علي النقيض افكار وخواطر باسكال رغم تشاؤمها وسوداويتها عندها القدرة علي ابهاجنا ورفع روحنا المعنوية !!!!!
الموضوع مبدأيا يبدو غير منطقي، لكن الواقع دايما بيؤكده، اكتر الكتاب تشاؤما هما دايما الاقدر علي تغيير حالتنا المزاجية للافضل !!!
من هو بليز باسكال
اتولد في مدينة اوڤيرن في وسط فرنسا في منتصف القرن ال17، ومن صغره اتعلم ينظر لنصف الكوب الفارغ، والدته توفت وهوا 3 سنين فقط ومكانش عنده اصدقاء كتير، كان مصاب بانحناء في ضهره وكان دايما مريض، من عمر صغير جدا كان بيظهر عبقرية نادرة.
في عمر ال12 كان اتعلم اول 32 نظرية لاقليدس، وبعد كدة ابتكر حساب الاحتمالات وقام بقياس الضغط الجوي وصنع جهاز لقياس الضغط واسهامات علمية فيزيائية كتير اخري، الا انه في عمر ال36 اضطرته صحته الواهنة لترك البحث العلمي وكتابة سلسلة من الحكم السوداوية جمعها في كتابه “الخواطر” اللي مازال السبب الاهم اللي بنتذكره ليومنا بسببه.
غرض الكتاب عن اعادة الناس وتحويل وجهتهم لاله الايمان الكاثوليكي، وشاف فيلسوفنا ان افضل الطرق لده هيا اظهار كل ما هوا خاطئ في هذه الحياة والتنديد بيه، كان عنده امل ان باظهار كل ما هوا بائس ومأساوي في هذه الحياة فان الناس هتلتفت للايمان المسيحي للخلاص والعزاء، الا ان في ايامنا دي خطته منجحتش جدا، دايما النصف الاول من الخواطر اللي بيتكلم عن مآسي ومشاكل الحياة بيلقي رواج اكتر من النصف التاني اللي بيتكلم عن مزايا وافضال الله !!!
كتاب الخواطر في رفع معنويات المحبطين
بيبدأ باسكال الكتاب باعلان السعادة الارضية وهم عريض، لكن الاهم عنده من وهمية السعادة هوا فكرة كرهنا للوحدة والتفكير في وضعنا البشري، افضل اقوال باسكال وخاطرته الخالدة اللي بتظهر عبقريته بيقول فيها ” مصدر كل الشقاء والتعاسة البشريين هوا عدم قدرة الانسان علي الجلوس في غرفته وحيدا في سلام !!! ”
بالنظر للحالة البشرية في ايامنا دي فالمقولة دي لازم تبروز وتوضع في كل مكان مهم بيخطوا عليه بشر. سحر باسكال يكمن في مرارته واسلوب الساخر والسوداوي في نفس الوقت.
”البشر يفعلون كل شئ الا التفكير في حقيقتهم المأساوية !!!” دي احد حكمه الشهيرة في الخواطر.
”الانسان كائن هش و واهن لدرجة ان شئ بتفاهة ضرب كرة ما بعصا قادر علي جعله يلتفت خلفه !!!” دي مقولة اخري ليه بتورينا نظرته لبني البشر.
كان ايضا بيزدري جدا الشغف من اجل الشهرة وكان بيقول ”البشر دائمي التطلع للشهرة في انحاء العالم، حتي لو كانت شهرة بين من لن نراهم لاننا سنكون ميتين !!!”.
اسباب التعاسة والملل
وبالطبع مفاتوش احد اهم اسباب التعاسة الارضية: الملل !!! ”دائما ما نصارع العقبات، الا اننا بمجرد تخطيها نجد الراحة غير محتملة بسبب الملل الذي تجلبه !!”
والاستنتاج الاعظم لباسكال تجسد في مقولته ”ما هوا الانسان ؟ انه لا شئ مقارنة بالمطلق الابدي”.
باسكال مكانش بيفوت فرصة الا ويظهر فيها طبيعتنا البشرية كشئ تافه مثير للشفقة.
لتذكيرنا بان السعادة وهم قال: ”كل من لا يري خديعة وغرور هذه الدنيا هوا نفسه مخدوع !!!”
وان التعاسة هيا الطبيعي في هذا العالم: ”لو ان السعادة هيا قدرنا وطبيعتنا بحق، لما نحول فكرنا دائما بعيدا عن التفكير فيها وهن هل هذا حق ام لا !!!”.
الحب
بالنظر للنغمة السائدة في خواطر باسكال تبدو قرائتها شئ كئيب وبارد، الا انها علي العكس التام، الخواطر معزية جدا لينا كبشر ومليئة بالدفء وايضا في بعض الاجزاء مليئة بالكوميديا !!!.
الامل البشري في السعادة
بشكل متناقض جدا لا يوجد كتاب افضل من الخواطر في رفع معنويات المحبطين رغم انه كتاب بيدفن كل امل بشري في السعادة بعيدا في التراب، البعض بيشبه التاثير الغريب ده بان خواطر باسكال عندها القدرة علي دفعنا للطيران لاعلي بدل من القفز لاسفل واحنا علي حافة الهاوية !!!.
تاثير باسكال ده رغم تشاؤمه الدائم بيذكرنا بحقيقة ان مشاكلنا بتأتي من الامل والتطلعات الايجابية وليست من اليأس والسلبية !!!.
احنا دائمي التطلع ووضع امال عالية علي كل شئ، علي الوضع الساسي والمالي والعاطفي، فلما بنفشل ده اللي بيكسرنا مش العكس، الفارق بين تطلعتنا الوردية وحقيقة عالمنا المظلمة هيا اللي بتخلق كل ما يعذب ارواحنا !!!.
النظرة الى العالم مع بليز باسكال
دايما لازم نبجل باسكال ولفيف الفلاسفة المسيحيين المتشائمين اللي بينتمي ليهم لان لديهم القدرة علي افاقتنا وتعريفنا علي مأساوية هذا العالم، ولنقدهم الرائع للتفاؤل الساذج للفلاسفة اللادينيين اللي تفاؤلهم ده شئ يبدو من سخرية الاقدار، ببساطة لانهم دائمي وصف نظرائهم المتدينين بالسذاجة، مش المتدينين اللي متفائلين بسذاجة في هذا العالم ولكن اللادينيين اللي بيعتقدوا بامكانية خلق الجنة علي هذه الارض بتوليفة من التقدم العلمي والاقتصادي.
متناسين بده ان الحالة البشرية اعقد من كدة بكتير، الديانات عموما والمسيحية بشكل خاص دايما بتصر علي طبيعتنا الخطائة الضعيفة المؤبدة في التعاسة والعذاب اللي بتسببه دوافعنا وتطلعاتنا، ليه وازاي ده من شانه رفع روحنا المعناوية ؟! لان ببساطة ده من شأنه تهيئتنا للمواجهة وعدم خداع انفسنا، ولما ننظر من العدسة دي، مش هنلاقي دليل افضل من بليز باسكال.