الجديد

هل الماضي حصل فعلا ؟!

قبل ان اجاوب على سؤال هل الماضي حصل فعلا ؟! يجب ان انوه الى ملحوظة وهي ان بعض الكلام هيبقي بصيغة المخاطب، الكلام علي لسان الرائع دايما michael stevens مؤسس قناة vsauce اليوتيوبية ومقدم ڤيديوهاتها.

هل الماضي حصل فعلا ؟!

كيفية الاجابة عن سؤال هل الماضي حصل فعلا

لو حد اتفرج علي فيلم the wizard of oz الاصلي كان هيشوف كلبة اسمها في الفيلم “توتو”، وفي الخاتمة بتاعت الفيلم كانوا كاتبين ان اسم الكلبة الحقيقي هوا “توتو” برضه، بس ده مش صحيح، اسم الكلبة الحقيقي هوا “تيري”.

لما تيري ماتت عام 1945 مالكه ومدربه دفنه في حديقة منزله، لكن في 1958 تم انشاء طريق “ڤينتورا” السريع بحيث يمر في وسط مقبرة تيري بالظبط، فاللي حصل ان مقبرة تيري اتقسمت وضاعت وبقاياها تفرقت وبقي صعب تجميعها، بعد 53 سنة تم انشاء نصب تذكاري لتيري في هوليوود، بس عشان بقايا تيري مش موجودة النصب ده مينفعش يطلق عليه “مقبرة” ولكنه “لحد فارغ”، مجرد تخليد لذكراه بدون تواجده.

افتكرت موضوع توتو او تيري ده لما شوفت نصب تذكاري للحد فارغ برضه في اثينا، بس قديم شوية، في الحقيقة قديم جدا، لما كنت هناك زرت “الاكروبولوس” احد معالم اثينا، وزرت برضه احد بوابات اليونان القديمة اللي تعود قدما 1000 سنة قبل الاكروبولوس نفسه، واثار تانية كتير قديمة برضه، وده خلاني سألت نفسي حبة اسئلة، بعد فترة طويلة من دلوقتي، ازاي العلماء والناس عموما في المستقبل هيفتكرونا ؟!

هل هيرسموا صورة صحيحة عنا ؟!

هل حد هيفتكرني انا شخصيا ؟!

ولو افتكروني، هيفتكروني بايه ؟!

طب بما اننا بنتسائل عن وضعنا احنا بالنسبة للمستقبل لما نبقي احنا الماضي، طب ما الاولي نسأل عن ما يسمي “الماضي” بالنسبالنا احنا، هل حدث زي ماحنا نعتقد ؟!

هل الماضي حدث اصلا ؟

طب سؤال اصعب، حل حدث اصلا ولا ده مجرد توهم مننا ؟!!!

الموضوع يبدو سخيف، لكن بجد حد عنده دليل ان الكون كله وافكارنا عنه وذكرياتنا وكل شئ نعتقده، كل شئ، ما ظهروش للوجود الاسبوع اللي فات بحيث يوهمونا انهم اقدم من كدة ؟!!

الاجابة: محدش فعلا يقدر يثبت خطأ الكلام ده، ممكن فعلا كل شئ يكون حصل بس الاسبوع اللي فات واحنا متوهمين خطأ انه اقدم، ممكن كمان يبقي حصل من 5 دقايق فقط مش من اسبوع !!!

في معتقد اسمه “last thursdayism” بيقول ان الكون اتخلق او وجد يوم الخميس اللي فات، اي نعم معتقد ملوش اتباع، بس الفكرة نفسها “لا يمكن ضحدها”، مفيش اي دليل ممكن نوفره “ينفي” الفكرة دي، لان في النهاية اي كلام او دليل هنقوله ممكن يقال عنه انه جزء مما خلق يوم الخميس اللي فات واحنا فقط متوهمين.

فكرة ال last thursdayism بتقع في نطاق “الغير قابل للتخطئة”، احد اهم معايير ما هوا “علمي” زي ما قال العظيم كارل بوبر وغيره من فلاسفة العلم هوا كونه قابل للتخطئة، يعني قابل للاختبار وان في ظروف معينة لو متوفرتش ليه يبقي الشئ او الفكرة دي “خاطئة”، عشان كدة ال “غير قابل للتخطئة” يقع في نطاق الفلسفة مش في نطاق العلم التجريبي البحت، وده شئ كويس علي فكرة، لان في الفلسفة هنجد ادوات تمكننا من ضحد فكرة ال last thursdayism والغير قابل للتخطئة عموما، الادوات دي هيا “الانصال” او “الامواس” RAZORS واللي اشهرها ما يسمي “موس اوكام”.

موس اوكام بيقولنا ببساطة ان لو احنا محتارين بين فكرتين او تفسيرين متضادين لظاهرة ما، فالأفضل نختار الفكرة او التفسير اللي بيتطلب افتراضات اقل.

عشان كدة في الاختيار بين ان الكون قديم جدا او انه وجد “الخميس الماضي” طبعا من الافضل انطلاقا من “موس اوكام” اننا نختار انه قديم لان افتراض انه وجد الخميس اللي فات بيتطلب افتراضات اكتر وتعقيدات اكتر وان الاعتقاد بقدم الكون اسهل وبيتطلب افتراضات اقل.

واحد من اشهر “الامواس الفلسفية” اللي بتقضي علي كتير من الافكار الغير ضرورية وبتخلصنا منها اسمه “سيف نيوتن المتوهج” واللي بيقول ببساطة “اذا كانت هناك فكرة غير قابلة للتجربة والاختبار، فهيا لا تستحق الجدال بشأنها”.

نرجع ل “الماضي”، ايه اللي ممكن سيف نيوتن يقولهولنا عن الماضي، في النهاية الماضي مش شئ مادي قابل للاختبار باي شكل زي الجاذبية او الالكترونات مثلا، احنا في يوم من الايام هنبقي عبارة عن ماضي زي ما قولنا، ومهما حاولنا نحفظ حاضرنا واحوالنا ونسجلها للاجيال المستقبلية فبرضه العلماء هيكون لزاما عليهم انهم يقدموا عننا تخمينات و افتراضات كتير عشان يكونوا صورة “واقعية” عننا.

الموضوع يبدو مقلق، لكنه رائع في نفس الوقت، علماء المستقبل هيعرفوا اكتر مننا عن كل شئ، عن الفيزيا والطب والكيميا، لكن الشئ الوحيد اللي احنا ينتفوق عليهم معرفيا فيه هوا “حاضرنا”. مهما توصلوا لتقدم تقني مش هيقدروا يعرفوا عننا بقدر ما احنا نعرف عن انفسنا !!!

هل احفاد احفاد احفاد احفادنا هيفتكرونا ؟!

هل الكائنات الفضائية اللي هتيجي الارض بعد ملايين السنين من دلوقتي هيعرفوا اي حاجة عننا ؟!

ممكن احنا نبقي شطار جدا في حفظ احوالنا عشان اهل المستقبل يعرفوا عننا، ممكن نبقي محظوظين وذكرياتنا تفلت من الكوارث والمصايب الطبيعية والغير طبيعية اللي بتقضي علي كل ما هوا مضي وكل ما له من ذكري، لكن شئ واحد استحالة نفلت منه ” او بالاحري ذكرياتنا” مهما كنا حريصين ومحظوظين وهوا “النسيان والنكران”.

في محاضر تحدي مستمعيه في مرة انهم يذكروا 10 اسماء فقط من القرن ال 15 عشان يثبت مدي تاثير النسيان وطبعا في الاختبار ده لم ينجح احد !!!

المشكلة مش اننا معندناش اي معرفة ب 10 اشخاص من القرن ال 15، سجلاتنا فيها اكتر من كدة بكتير، المشكلة انهم بالنسبالنا اصبحوا “عديمي الاهمية”، وده يرجعنا تاني لوضعنا بالنسبة لاهل المستقبل، احنا برضه هنبقي عديمي الاهمية بالنسبالهم !!!

نسيان الماضي

لكن في شئ واحد مهما عملوا مش هيقدروا ينسوه او يتجاهلوه عننا لانه ببساطة مش محفور في ذاكرتهم هما ولكن في ذاكرة “الكون” نفسه، مقدارنا من الطاقة !!!

دايما حملات التوعية بتقولنا اطفوا الانوار والاجهزة الغير مستخدمة عشان نحافظ علي الطاقة، لكن في الواقع طفيناها او لأ ده مش هياثر علي مقدار طاقة الكون لان ببساطة مقدارها ثابت زي ما بينص قانون حفظ الطاقة.

لما نطفي الاجهزة اللي بنحافظ عليه هوا “موارد الطاقة” مش الطاقة نفسها، لو قيسنا مقدار الطاقة في كل الكون قبل ما نشغل التلفزيون مثلا وبعد ما شغلناه وبعد ما نطفيه هنلاقيها ثابتة.

ثبات الكمية مش الخاصية الوحيدة للطاقة ولكن ايضا الانتشار والتشتت، اي مقدار من الطاقة هينتشر ويتشتت ما لم يعطله عامل خارجي، وهوا ده القانون التاني للديناميكا الحرارية، الطاقة بتنتشر وتنتقل، هيا دي طريقة عمل الكون، حتي في الانظمة المعقدة زي الخلايا الحية اللي بيفترض حجزها للطاقة بداخلها فالقانون ده بينطبق عليها، ببساطة الطاقة دايما بتنتشر خارجها لان كفائتها مش 100%.

القانون ده مش بيحدد “امتي” هتنتشر الطاقة، هوا بيقول ان لما بيبقي في اي فرصة للانتشار ده فهوا يحصل بلا شك.

في النهاية كل البلالين هتفقد هواها، وكل الاجسام كلها هتقع، وكل جزيئات العطر هتصل لانفك حتي لو الهوا اللي في الغرفة ثابت.

مقدار انتشار الطاقة بيقاس ب “الانتروبي” واللي دايما بتترجم بالفوضي، لكن الانتروبي شئ مختلف عن الفوضي اللي بنتصورها عن الاجسام الكبري، لو جبنا رزمة ورق كوتشينة مترتبة ولخبطناها واعدنا ترتيبها فمقدار الانتروبي بتاع الرزمة متغيرش، لكن في المحيط بتاع المكان اللي قمنا فيه بالتجربة دي وفي العالم ككل الانتروبي زاد، لان عشان نعمل كدة محتاجين نستخلص طاقة من خلايانا ونحولها لطاقة حركة، وهيحصل تحرر ايضا لطاقة حرارية ضئيلة جدا من احتكاك الاوراق وجزء ضئيل كطاقة صوت.

وهوا ده ارثنا واسهامنا اللي محدش هيتجاهله، مقدار اسهامنا في زيادة الانتروبي في الكون ككل !!!

ممكن التاريخ ينسانا او يفهمنا غلط، لكن الكون عمره ما هينسانا بسبب اسهامنا ده، وهوا ده قانون الديناميكا الحرارية التاني اللي هيفضل الكون يعمل طبقا ليه لاخر دقيقة في عمر الكون كله.

علماء كتير بيعتقده ان انتشار وتشتت الطاقة هيستمر في الحدوث لغاية ما حرارة الكون كله تتساوي في كل نقطة منه، وده معناه توقف كل العمليات الفيزيائية وحدوث ما يسمي ب “الموت الحراري” للكون، كل حركة احنا بنعملها بتساهم ان ده يحصل.

لو الفرضية دي صحيحة فالحسابات بتقول ان ده هيحصل بعد 10 جنبها 100 صفر من السنين، وكل حركة بنعملها زي ما قولنا هتساهم في الحدث ده لاننا بنزود الانتروبي او بعبارة تانية بنعجل بحدوث الاتزان الحراري العام ده اللي هيعني موت الكون.

فلو ده شئ مقلق بالنسبالك فاهدي كدة وريح شوية، الكسل رزيلة بشرية ولكنه بالنسبة للكون شئ ايجابي لانه بيطول في عمره، حتي لو بمقدار يكاد يكون صفر ولكنه في النهاية حقيقي. الكون بيقولك بصوت عالي chill out dude.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-