اليوم سأحكى لكم قصة النخلة العجوز وهى قصة قصيرة أتمنى أن تنال إعجابكم فتابعوا معى أحداث القصة.
بداية قصة النخلة العجوز
السعفات الرمادية اليابسة انحنت ميتة على جذع النخلة العجوز.. الهواء الخفيف يمنحها فرصاً قليلة لتقبل بعضها البعض،،
الريح تفرق بينها بإسقاط من تختار منها.. القارض الشره يقرض في طلعها المكتسي بصفرة الموت.. الشلولو والعقنقر ينخران في الجذع والفئران تتسابق فيما بينها للانفراد بغرفة من الغرف المحفورة أسفل الجذع،،
سعفات يابسة وأوراق متقوسة وحشائش ميتة وأشجار عارية جمعت و طمت بالثرى وأشعلت فيها النار فتصاعد الدخان الرمادي برائحته المحببة إلى أنوف القرويين،،
الحشرات والأعواد تصرقع في بطن النار و حميان يذر عليها الثرى بأصابعه حتى يطمئن إليها،،
وضحى علقت عباءتها اللاصقة بها تمرة مهروسة والممسوح فيها مخاط جففته الشمس على سعفة خضراء من سعف نخلة قزمة مثلها وراحت تقطف أوراق النعناع التي غرس حميان أشجارها من أجلها،،
تقطف الأوراق وتجمعها في ملفعها و هي تبتسم في صمت و تتذكر جملة حميان: ((أحب رائحة فمك عندما تشربين الشاي المنعنع))،،
كانت منشرحة الصدر لأن حماتها ستقوم بالطبخ عنها و بودها لو أنها استطاعت أن تنتقي لها شيئاً من أعواد الريحان إلا أن أنانيتها و غيرتها تدفقت في تلك اللحظة،،
فحميان لا يحب رائحة الريحان في مخدعه و لا يطيق رؤية عناقيده في جديلتيها الطويلتين، إنه يزرعه ليبيعه في أعراس القرية، فياض ألقى بكتابه على أعواد البرسيم فكسرها،،
حلت فراشة ملونة وفرشت جناحيها على الكتاب.. ركب فياض المرجيحة المربوط حبليها في جذعي نخلتين متوازيتين.. وجعل يتأرجح و يسترجع بصوت عال ما حفظه غير عابئ بصياح أمه و إصرارها على خلعه الثوب كي لا يتسخ،،
توحيد الألوهية هو أن.. وتوحيد الربوبية هو أن..، غرف حميان بكفيه ماءاً اصطبغ بالاخضرار من برميل ثقبه الصدأ و نضح به وجهه المغبر ومسح براحتيه على عضديه ليرطبهما من آثار الأعواد اليابسة وجروحها التي أبانت الدم ولم تنزفه،،
النخلة
وألقى نظرة تحسر على النخلة العجوز الوقف الأكبر منه عمراً وتنهد لعجزه عن بعث الحياة فيها من جديد.. رأى (الكر) معلقاً على مسمار طويل مدقوق في جذعها و اتخذ قراراً رده جيرانه من الفلاحين عنه،،
أراد أن يقوي عزيمته و يزيد من أمله في بعث الحياة إلى النخلة بتنظيف أسفلها من أعدائه المحتمين بداخلها فقام بنقل جذوة من النيران التي أشعلها وقربها من فتحات الغرف المحفورة فيها،،
فخرج من خرج ثم أمسك بآلة حادة و بدأ في انتزاع الفاسد من الجذع حتى أتى عليه.. شد (الكر) حول ظهره ورقى نصف النخلة،،
وتنحنح لينبه النسوة المزروعات في الحقول المجاورة لحقله ليتغطين ويسدلن عباءاتهن على رؤوسهن وظهورهن فلا يكشفهن وهن يجنين الرطب ويقطفن الريحان و يستعدن للاستماع له والعمل على أنغام صوته وهو ينهم،،
ولربما ظنت إحداهن أنها المقصودة بالغزل والنهم بما فيهن وضحى زوجته.. وقد يسمعه أحد جيرانه من الفلاحين فيصعد إلى إحدى نخلاته دون حاجة فيها سوى أن يأنس بجيرته،،
ويستشيره أو يستفتيه في أمور الري و الإعمار والغرس و مواسم الإنبات و الصرام.. هلل حميان حينما أمسك بطرف واحدة من السعفات اليابسة،،
وصار يشدها لتسقط و هو مطمئن إلى قوة الكر الملفوف حول ظهره.. و بدأ القلق يغزو قلب وضحى بينما واصل فياض التأرجح بانبساط جعله يطيل بشد ساعديه من طيرانه في الهواء،،
الحديث
حميان ينهم والسعفات تتساقط أسفل النخلة و هو يدور بكره على جذعها ليتتبعها: عليل و نومة افراشك دوا لي كيف تنعت لي دوا و أنت دوا لي ويواصل:
يا صاحبي زل الشتا و اقبل الصيف غديت مثل العذج بين بي اللون، ولم يتوقف عن النهم حتى رأى جاره (منحول) يحيه من وسط حقله فوق نخلته المحبوبة (الرزيزية) رافعاً له منجله،،
فرد عليه تحيته ببيت من الشعر يحب سماعه بصوته: أعد الليالي و الليالي تعد ني عمري تنحل والليالي مكانها
هل جننت يا بو فياض لترقى هذه النخلة الطويلة ؟
الحج والمرض أبعداني عنها.. فذبحها القارض و الشلولو و العقنقر.
الله يستر ويسلم قلبي بدأ يرتجف.
أوصيتك عليها من قبل الحج و في المرض لكنك أهملتها.
أنت تعرف.. الطويلة ما أقدر أرقاها.
استعصت سعفة من السعفات على حميان فشدها بعنف و انقطع (الكر) فهوى على ظهره.. انطبعت مؤخرته وقدماه في الثرى.. نط فياض من أرجوحته وهو طائر فانكفأ على وجهه و قام مسرعاً إلى أبيه،،
شهقت وضحى فانتثر النعناع من ملفعها و ركضت إلى زوجها.. سمت باسم الله و تفلت مكان وقوعه و أسرعت نحو برميل الماء وغرفت منه بكفيها و رشت على رأس زوجها و مكان وقوعه،،
ثم وسدت زوجها حجرها و أنشأت تصفق و تصيح و حميان يتنفس نفخاً وابنه فياض واضع رأسه بين قدميه وواضع راحتي يديه على ركبتيه و يبكي،،
تعاون الفلاحون على حمل حميان إلى بيته.. توقفت وضحى عن الإنجاب و لم يتوقف حميان عن زيارة حقله و نخلته.. فهو يقول دائما عند لومه على الزيارة: ما دمت أشوفها ما أقدر على فراقها!