الجديد

الفيلسوف نيقولو ميكافيلى

الاسم بالكامل، نيكولو دى برناردو دى ميكافيلى (3 مايو 1469 – 21 يونيو 1527)، محل ولادته (فلورنسا، إيطاليا)، فهل تبادر إلى أسماعكم هذا الاسم من قبل؟ هل قرأتم له شئ؟ هل تعرفون من هى تلك الشخصية التى حيرت علماء السياسة ورجال القانون؟

هل سبق لكم بالقراءة ولو محل صدفة فى جريدة أو صحيفة سياسية عن تلك الشخصية التى بلغ صداها العالم أجمع؟ إليكم أيها القراء الأعزاء نموذجا عن بعض الحقائق التاريخية عن أحد أعلام النهضة الأوربية الحديثة وهو نيقولو ميكافيلى.

الفيلسوف نيقولو ميكافيلى
تمثال الفيلسوف نيقولو ميكافيلى

من هو نيقولو ميكافيلى؟

نيقولو ميكافيلى هو أحد ابرز وأشهر فلاسفة ورجال السياسة الدبلوماسيين فى ايطاليا فى عصر النهضة الأوربية وذلك فى الربع الأخير من القرن الخامس عشر إلى أوائل القرن السادس عشر، ميكافيلى هو المعروف برجل الدولة، وواضع النظريات السياسية، غالبا ما إشتهر بلقب واضع النظرية السياسية الحديثة. ظل اسمه مرادفا للقسوة والمكر ولا زال.

فضلا عن انه كان مؤرخا وكاتبا وانسانيا (تابع للحركة الانسانية) حيث اعترف البعض أنه مؤسس العلم السياسى الحديث والاخلاق السياسية الحديثة، بالاضافة إلى انه كان أحد المسؤليين السياسيين والدبلوماسيين فى جمهورية فلورنسا حيث اشترك فى العديد من المسؤليات الخاصة بالشئون الدبلوماسية والعسكرية.

كما كان له بعض الكتابات المسرحية الكوميدية، وحظى أيضا ببعض الكتابات للأغانى الكرنفالية والأشعار فما من كتاب تحدث عن عصر النهضة إلا وذكره لوصف كونه علم من أعلام النهضة الأوربية والايطالية على وجه التحديد ولو بأقل المعلومات.

خلفية تاريخية

كانت إيطاليا إبان الأعوام الأولى من القرن السادس عشر لم تكن دولة موحدة كما هى الأن وانما كانت مجموعة من الدول المدن المتحاربة، نتج عنها تشكل لتحالفات بين دول المدن وبعضها البعض أو مع القوى الخارجية وفى ذلك العصر الذى آلت فيه الفوضى السياسية، أصبحت الدبلوماسية هى الأداة الحاسمة فى هذه الأونة.

أما عن فلورنسا مسقط رأس ميكافيلى كانت مضطربة الأحوال السياسية حيث كانت عائلة ميدتشى المستبدة قابضة على زمام الحكم حينها، حيث كانت عائلة مديتشى الراعى الرسمى لأبرز فنون وآداب عصر النهضة، وكان أشهرهم اهتماما للفنون والعلوم القديمة هو كوزمو دى ميدتشى الذى شيد المكتبات والأكادميات العلمية.

وبعد وفاة كوزمو دى مديتشى تلاه ابنه بيرو فى الحكم ثم لورنزو المستبد الذى تميز حكمه بالديكتاتورية، إلا انه وصف حكمه بالعصر الذهبى لفلورنسا بالرغم من سياسة الطغيان التى كان يتبعها والمراقبة والتجسس من قبل رجال الشرطة، حتى جاءت حركة سافونا رولا أحد الدعاة والمبشرين بالمسيحية والواعظين بإيطاليا.

حيث دعى الشباب الايطالى بعدم الانغماس فى الشهوات وحب الذات وترك حياة الترف والمجون، وهاجم لورنزو هجمات شرسة محملا اياه تبعيات المساوئ التى حلت ببلاده، وأن الاستخفاف بالدين هو سبب طمع الفرنسيين فى اجتياح الأراضى الايطالية بقيادة شارل الثامن فأشعل نيران الثورة فى فلورسنا وطرد أخر نسل من ذرياتهم وهو بيرو II دي ميدتشى وأعلن الجمهورية 1494م.

كما لم يسلم منه البابا ألكسندر السادس (ردريجو دى بورجيا) الذى عرف عنه الجشع ونهمه للمال، حيث مارس الأعمال المخلة بالاخلاق كالرشوة والمحسوبية والسيمونية (دفع الرشاوى للتدرج فى الوصول إلى أعلى المناصب الكهنوتية وصولا لمنصب البابوية).

بدأت دعوته متخذه مبدأ السلمية حيث نادى بالتعاليم المسيحية والتمسك بالفضيلة كسبيل للنجاة من الانهيار الأخلاقى الذى حل بالمجتمع الايطالى، ولما لم يجد نفعا اتجه لتسليح الشباب الذين إلتفوا حوله، وكون منهم فرق عسكرية دينية وأمرهم بهدم أماكن الفساد واللهو ومنع أى شخص يحاول التردد عليها، بل كان يجمع الكتب المخالفة للمسيحية وما جاء فى الكتاب المقدس واشعال الحريق بها.

وما لبث أن اشتد نفور البابا ألكسندر السادس منه وحاول اقناعه بشتى السبل بتغيير سياسة العنف والهجوم التى اتبعها ضده ولكن دون جدوى ورفض دعوته واستمر فى اتهامه بالسعى وراء المال والانغماس فى الشهوات، فاتهمه البابا بالهرطقة وكفره وأصدر ضده مرسوما بالحرمان البابوى مايو 1497م.

وما لبث أن أنزل به عقوبة الاعدام حرقا فى ميدان عام بفلورنسا 1498م، وفى أعقاب تلك الاحداث برز لنا المفكر السياسى نيقولو ميكافيلى الذى عاصر سافونا وعاصر لورنزو العظيم (حسب تسمية أهل فلورنسا له) ووضع بدوره النظريات الفلسفية والسياسية التى جعلت منه واحد من أكثر الشخصيات بروزا على قائمة أعلام عصر النهضة.

السيرة الذاتية لـ نيقولو ميكافيلى

نشأ ميكافيلى فى فلورنسا 1496م فى 3مايو، انحدر من نسل عائلة عريقة ثرية نبيلة ترجع لأصول توسكانية، كانت أسرته متوسطة الثراء، فكان والده برناردو محامٍ من طبقة النبلاء القديمة، ولكن كان متوسط الحال يمتلك قطعة أرض صغيرة، وكان أول الداعين للنظام الجمهورى.

كما أعرب ثمة مصدر بأن العائلة الميكافيلية لم تكن موالية لأسرة (آل ميدتشى)، لم يتضح لنا بشكل جلى عن مسيرته التعليميه غير القليل فبعض الكتابات أشارت لنا أنه بدأ تعليمه فى سن السابعة، بحيث تلقى تعليمه بشكل بسيط فى فلورنسا، حيث تثقف مثل أبناء عصره من الطبقة المتوسطة، حيث قرأ فى التاريخ الرومانى، وقرأ الالياذه لفرجيل والخطب لشيشرون، وتعلم الترجمات اللاتينية لمختلف أمهات الكتب، وتعلم البلاغة والنحو فضلا عن تثقـفه للحضارة الاغريقية.

إلا أنه كما زعمت إحدى المصادر أنه لم يكن متعلم اليونانية بالرغم أن فلورنسا أنذاك كانت أحد أكبر مراكز الدراسات اليونانية، كما كان مفتونا بدانتى وبوكاشيو، وقيل أنه كان يعمل لاحد أصحاب المصارف البنكية. و ذكر أحد الباحثين بأن منزله لازال قائم حتى الآن بأحد شوارع فلورنسا (16 شارع جيتشاردينى بالقرب من البونتى فيكيو أى الكوبرى القديم).

اتبع سافونا رولا فى بداية حياته لدعوته للشباب الفلورنسى، والذى بشر بعمل دستور لفلورنسا ديموقراطى ثيوقراطى ولكن ما لبث أن ابتعد عنه حيث كانت مأساة سافونا تجربة عملية أمام ميكافيلى نظرا لأن هذا الثائر كانت تنقصه القوة التى اعتبرت الأداة الفعالة فى عالم السياسة وبدونها لم يستطع أحد مجارة الساسة.

من أقوال نيقولو ميكافيلى

فمن اقواله “لقد غلب الأنبياء المسلحون وهلك الأبياء العزل” فاسفونا رولافى رأيه مات كأنبياء اليهود وهم فى نزاع مع ملوك بنى اسرائيل إلا أنه بطبع يكره الرهبان ورجال الكنيسة فيقول فيهم “إن الراهب يتحين الظروف ليجيد تلوين أكاذيبه”.

زواج نيقولو ميكافيلى

تزوج من إمراة تدعى ماريتا كوريسنى 1502م.

مناصب نيقولو ميكافيلى وأعماله

تدرج فى المناصب الادارية الحكومية حتى إلتحق بمنصب السكرتارية كأمين عام لمجلس – العشرة – الثمانين وذلك لأن أعضاءه لايتعدوا العشرة لحكومة فلورنسا الجمهورية، وهذا المنصب كان شبيها بمنصب الأمير فى الديوان أو القصر الجمهورى فهذا المنصب خاصاً بالعلاقات الإدارية والسياسات العسكرية مع المدن التابعة لفلورنسا، وذلك منذ التحاقه بالخدمة العامة حيزران 1498م. كما عهد إليه أيضا بأمانة سر إدارة الجمهورية فى 14 تموز.

قسمت حياته لفترتين كما أخبرنا لويس عوض فى كتابه ثورة الفكر فى عصر النهضة الأوربية، فالشطر الأول من حياته قضاها كدبلوماسى ممثل لسفارات حكومته والبعثات إلى بلاطات الملوك خارج إيطاليا فى شبه الجزيرة الايطالية لتنفيذ السياسات الخارجية، فاستفاد كثيرا من هذه الجولات التى أوقفته على خفايا الدول والتعامل عن قرب مع رجال السياسة ورؤية أساليبهم.

فمن خلال ذلك المنصب تعرف على أقوى رجالات عصره ممن عملوا فى سلك السياسة وخاصة السياسة الدولية فدرسهم عن كثــب، حيث دامت فترة ذلك المنصب 14 عاما منذ عام 1498 حتى 1512م، ولأهميتها شغلت حيز كبير فى كتابه “الأمير”، والشطر الاخر قضاها فى الحياة الريفية منفيا فى إحدى القرى فى بلدة تسمى”سان كاشيانو” حسب ماورد عن اسحاق عبيد فى كتابه عصر النهضة وذلك بعد عودة أسرة آل ميدتشى للحكم.

حاول نشر أرائه فى فلورنسا حيث رأها ضعيفة تتسلط عليها الاطماع الشخصية، فدعا إلى إنشاء جيش وطنى بدلا من الاعتماد على الجنود المرتزقة، وان دل ذلك فإنما يدل على وطنيته وحبه لوطنه ولكن سلوك الأمراء ومجاراته لهم علمته الواقعية التى لمسنها فى كتاباته.

وفى عام 1502 م أراد البابا جيليوس أو يوليوس أو جيل الثانى II الطموح طرد الفرنسيين من ايطاليا وعلى حكومة فلورنسا أن تختار بين البابا ومحالفتها لفرنسا فاختارت فرنسا، وعلى أثر ذلك أرسلت ميكافيلى مبعوث الحكومة الفلورنسية لبلاط ملك فرنسا لويس الاثنى عشرXII لتأكيد التحالف بين الطرفين.

فما لبث أن اشتعلت الحرب بين البابا جيل II وفرنسا وانتهت بإجلاء الفرنسيين عن إيطاليا ولكن استُبدل النفوذ الفرنسى بالنفوذ الأسبانى وصارت فلورنسا تحت رحمة الأسبان، وتمخضت عن تلك الاحداث سقوط الجمهورية الفلورنسية 1512م للمرة الثانية التى أسسها سافونارولا الراهب الدومينكانى 1494م.

طرد نيقولو ميكافيلى ونفيه

وبسقوط الجمهورية 1512م عادت فلورنسا إلى حظيرة آل ميدتشى ثانية على يد الكاردينال جوفانى دى ميدتشى [البابا ليو العاشر] بن لورنزو العظيم بدعم من البابا جيليوس الثانى والرابطة المقدسة، وتم طرد ميكافيلى من منصبه وسجن وعذب بالسياط.

فأراد أن يتقرب بشتى السبل للحكومة الجديدة معتقد أن مثله بخبراته الواسعة فى عالم السياسة تجعل من وجوده أمر لا غنى عنه، ولا يمكن التضحية به على أى وجه من الوجوه، إلا أنه استفاق على حقيقة مؤلمة فوجد أن الحكومة الجديدة لم تكتفى بعزله بل نفته على حدود فلورنسا فقرر العزلة مع زوجته وأولاده فى أحد الأرياف محدد الإقامة فى بلدة سان كاشيانو San Casciano.

وفى منفاه اتجه من عالم السياسة إلى عالم التأليف فأخرج لنا رواياته العنيفة مثل “الأمير” التى هداها لأسرة ميدتشى الذى لم ينشر إلا بعد وفاته بخمس سنوات.

ومن المضحك، عندما ثار شعب فلورنسا على أسرة ميدتشى ثانية معلنين النظام الجمهورى للمرة الثالثة لفلورنسا، وجاءت حكومة جديدة، حاول ميكافيلى التودد لها كما فعل سابقا لاستعادة منصبه، ولكن استبعدته الحكومة الجديدة معتبرين إياه تابع لنظام آل ميدتشى نظرا لرواياته التى قدمها إليهم.

وهو فى منفاه عكف على تأليف كتابه الشهير “الأمير” و”أحاديث ليتيوس ليفيوس” ويعدا أهم أعماله فى عالم السياسة ويعد الأمير مستوحى من الحكم اليونانى والإمارات الإيطالية فى العصور الوسطى بحيث يكون الأمير (استبدادى مستنير) بعيدا عن أى وازع دينى أو أخلاقى، وقد كتبه ليهديه إلى الامير الذى يستطيع أن يقوم بدور المنقذ لايطاليا.

فقرر أن يهديه إلى جوليان دى ميدتشى ولكن لم يكترث له أمرا، فقرر أن يعلق آماله على لورنزو الثانى سليل عائلة ميدتشى، كنوع من التودد لاسترجاع منصبه على نحو ماذكرنا، ولكن لم تثمر جهودها إلا فى عام 1526م بإفراج الباب ليو العاشر عنه حيث عاد إلى الخدمة فى بلاط آل ميدتشى وكلفه البابا بقيام بعض الأعمال السياسية.

ولكن جاءت الرياح بما تشتهى السفن، فما لبث أن انهارت الإمارة المطلقة فى فلورنسا، وعادت إلى الجمهورية فطرد آل ميدتشى وعزل ميكافيلى من منصبه ثانية باعتباره أحد أنصار ميدتشى، ثم أتم فى 1521م حواره عن “فن الحرب” ثم عكف على كتابة “تاريخ فلورنسا”، وقدمه للبابا كليمنت السابع (جوليو دى ميدتشى)، وفى تلك الفترة بدأت صيحات الجمهوريين تعلو فانصرف عنهم ميكافيلى، وأمره البابا كليمنت السابع بإعداد الخطط الدفاعية لحماية فلورنسا، وعينه مستشار لهيئة مكونة من خمسة أعضاء لحماية أسوار مدينة فلورنسا.

وفاة نيقولو ميكافيلى

ولما خسرت فرنسا فى معركة بافيا Pavia 1525م 24 فبراير [معركة بين الجيش الامبراطورى الأسبانى وجيش مملكة فرنسا] وذاقت فرنسا علقم الهزيمة ووقع فرنسوا الأول أسيرا، حاول بابا روما مهادنة الامبراطور تشارلز دى لانوى الأسبانى المنتصر معتقدا أنه سيكون بمأمن على نفسه ومنصبه من خلل تلك المهادنة.

فجاءت النتائج بالعكس وهاجم تشارلز دى لانوى روما وفر من البابا هاربا، فثار أهالى فلورنسا على الميتدشيين ثانية وأعادوا النظام الجمهورى، فعزل كالعادة من منصبه وقرر محاولة استعادة منصبه، ولكن باءت بالفشل، فأصيب بنوبة حادة قضت عليه فمات حزينا فى الثانى والعشرين من يونيو 1527م ودفن بكنيسة سانت كروتش، مشيدين على قبره نصباً تذكارياً منقوش عليه نقش لاتينى وترجمته: “لا يستطيع المدح أن يفى بمثل هذا الاسم: نيقولا ميكافيلى المتوفى 1527م”.

مؤلفات نيقولو ميكافيلى

ترك لنا ميكافيلى أيضا عدة مؤلفات من منها:

  • كتاب ماندراجولا وهو كتاب يعد من المؤلفات الكوميدية
  • كتاب كليزيا
  • كتاب بيلفجاور
  • كتاب كاستروتشيو كاستراكانى
  • كتاب تاريخ فلورنسا
  • كتاب اصلاح حكومة فلورنسا
  • كتاب رسائل شخصية منشورة
  • كتاب فن الحرب
  • كتاب الأمير .. ويجب أن يكون لنا وقفة ولو قصيرة مع هذا الكتاب الذى أثار جدل القراء، وغيرهم من الساسة.

كتاب الأمير المثير للجدل لـ “نيقولو ميكافيلى”

يعد ميكافيلى واضع أسس الفلسفة السياسية الحديثة التى كان لها أكبر الأثر فى تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر، وقد كتب مؤلفه الأمير فى عام 1513م أثناء منفاه وعزلته بالريف، لكنه لم ينشر إلا بعد خمس سنوات، وهذا الكتاب دراسة حصيلة خبرته ودراسته للتاريخ وعلومه والتاريخ القديم بشكل خاص.

وهى مثل تاريخ اسبرطة والفرس واثينا وامبراطورية الاسكندر، والعصر البطلمى والامبراطورية الرومانية فضلا عن آراء الفلاسفة القدامة واستطاع من خلال تلك المطالعات والتجارب أن يخرج ببعض الآراء المعينة فى أصول فن السياسة والحكم، والعلاقة بين الحاكم والمحكومين.

فقد شرح الطرق والوسائل للوصول إلى الأمانى القومية التى ظل يحلم بها، عن طريق بناء جيش قوى يحمى بلاده من الجيوش المحتلة الأجنبية، وقيام وحدة سياسية استقلالية تجمع شتات موطنه، وتلك المبادئ والآراء التى نادى بها نجدها فى بعض فصول كتابه فبعض الإرشادات التى قدمها كانت تدين بالواقعية، والتى نحن بصددها الآن إلا أن أغلبها يتعارض تعارضاً صارخا مع مع الأخلاق الدينية التى ندين بها اليوم.

والكتاب يتحدث عن أمير إيطالى، بينما يحمل سمات أمراء عصر النهضة، وفى تقديره أن يكون الحاكم مستبد، ولا يمكن أن يكون غير ذلك إن أراد تحقيق الأهداف القومية.

المبادئ الميكافيلية " نيقولو ميكافيلى "

الايمان بأن السيف هو أصدق وسيلة للوصول إلى الغاية، وهى تحقيق القومية وخلق الدولة القوية التى تجمع شتات الوطن تحت قيادة واحدة، غير مبدى اهتمامه أياً كانت الوسيلة سواء بالعنف وشن الحروب، أو بالمسالمة والاقناع وقد لمسنا ذلك من خلال كلماته التى تحمل الأسى على ما حاق بإيطاليا من نكبات.

يرى أن لا ضير فى أن يستخدم الأمير الرجال فى تنفيذ مخططاته ثم ينبذهم، وألا يقيم لهم وزنا إذا اقتضت الحاجة والمصلحة إلى ذلك.

جاءت نصائحه وإرشادته صراحة حاثة على نقض العهود والمواثيق، وذلك بما يخالف المبادئ الأخلاقية المعهودة التى اقرتها الديانات السماوية، كما نزلت وشرعت على أنبيائها فقد قال نصا: “لقد ثبت فى عصرنا أن الأفراد الذين نهضوا بأعمال عظيمة لم يكترثوا فى القليل أو الكثير بالمحافظة على وعودهم وعرفوا كثيرا كيف يحيروا عقول الناس بالخديعة والمكر والدهاء”.

ثم يفاجئنا بما هو أغرب مما سبق بأن الإنسان مجبر على فعل الخير مكرها إلى فعل ذلك فالانسان بطبيعته به نزعة شريرة، ولا مناص من استخدام القوة والضغوط بشتى صورهما لمقوامتها. ثم يعرض لنا نظريته السياسية المعروفة “الغاية تبرر الوسيلة” وأن السياسة لا مكان فيها للأخلاق.

وذلك من خلال ممارسة الخديعة والبطش والتلون والقسوة، وعلى الأمير القيام بممارسة كل أنواع الجرائم والسلوكيات السيئة من نفاق وكذب، والتحلى بالصفات الحسنة فى الوقت الذى يظهر فيه على غير ذلك قائلا: “مبادئ الدين أو الأخلاق لا يجب أن يقفا عائقا فى سبيل المحافظة على كيان الدولة”.

فيسدى النصح على الأمير محثه بأن الأمير عند اتخاذ التدابير والاجراءات القانونية الصارمة أن يتوارى ويعهد بتنفيذها على يد مندوبيه، حتى إذا حدث سخط تعرض المسئولين والمندوبين وحدهم لهذا السخط، وصاروا فى واجهة المدفع حتى يظل الأمير بمنأى عن تلك الأحداث، وبعيد عن اى نوع من التلون فى أعين الشعب وانه الشخص المخلص الذى عليه أن يتمسك به كل فرد فى المجتمع، وأن الأمير يجب أن يكون فى صورة الحاكم الصارم الذى يرهبه رعاياه فى الناس بطبعها جاحدة للجميل.

ثم يلزم الأمير فى إرشاداته قائلا “أن الإساءة يجب أن تتم مرة واحدة فتنسى سريعا أما النعم فيجب أن تمنح بشكل تدريجى فيعظم قدرها لدى المواطنين”.

ونادى ميكافيلى بمبدأ الضبط والربط مع الجيش فهو عماد الدولة لتأمين الحدود الخارجية والأمن الداخلى على الأمير أن يلتزم بالقوة والقسوة المتناهية مع الجنود.

أشاد ميكافيلى فى كتابه بناظم الملكية المقام فى فرنسا فبينما البرلمان يعمل على إرضاء الشعب ويحد من نفوذ النبلاء، ومن ناحية أخرى لم يجعل الملك نفسه عرضه لغضب النبلاء.

حث الأمير على اختيار وزراءه بمنتهى الدقة ومراقبتهم.

إنقسام المؤرخين على مبادئ نيقولو ميكافيلى

وبعد اطلاع الساسة والمؤرخين على تلك المبادئ انقسموا إلى فريقين:

فريق مؤيد لمبادئ نيقولو ميكافيلى

وهذا الفريق يرى فى أن ميكافيلى رجل من أعلام الفكر الأوربى فى العصر الحديث فهو رجل وطنى من الطراز الأول، وأن الحكام المستبدين الذين اقتبسوا من كتاب الأفكار تكأة للمضى على خطوات طغيانهم، فهذا ليس بذنب ميكافيلى لأن الاستبداد بطبيعتهم.

فريق معارض لمبادئ نيقولو ميكافيلى

وهذا الفريق يرى أنه اسوأ ما أنجبته الحضارة الأوربية الحديثة، فهو أسوأ مثال للرجل السياسى الطاغية الذى ينادى بمبادئ الإجرام الناهية عن الأخلاق، والرجوع للشرائع السماوية بما أنزلها الرحمن امتثالا لها ولجل عظمتها، وأن كل طاغوت اتخذ من أفكاره ذريعة لمواصلة طغيانه واضطهاده للأديان.

المراجع العربية

  • إسحق عبيد، عصر النهضة الأوربية، دار الفكر العربى، القاهرة، 2006.
  • شوقى عطالله الجمل، عبد الرازق ابراهيم، تاريخ أوروبا من النهضة حتى الحرب الباردة، المكتب المصرى للمطبوعات، القاهرة، 2000 م.
  • عبد الحميد البطريق، عبد العزيز نوار، التاريخ الأوربى الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر، دار الفكر العربى، القاهرة، 1417هـ -1997م.
  • عبد العزيز محمد الشناوى، أوروبا فى مطلع العصور الحديثة، ط3، ج1، مكتبة الأنجلو المصرية، 1977م.
  • عمر عبد العزيز عمر، دراسات فى التاريخ الأوربى و الأمريكى الحديث، دار المعرفة الجامعية، اسكندرية، د.ت.
  • لويس عوض، ثورة الفكر فى عصر النهضة الأوربية، ط1، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1407هـ – 1987م.
  • محمد حمزة حسين الدليمى، لبنى رياض، تاريخ أوروبا فى عصر النهضة، ط1، دار بن الأثير للطباعة والنشر، بغداد ،2014م.
  • نور الدين حاطوم، تاريخ عصر النهضة الأوربية، دار الفكر، سوريا، 1958م.

المراجع الأجنبية

  • Wagner H.L، Machiavelli Renaissance political Analyst and author، 1st ed، Chelsea
  • House publishers، Philadelphia، 2006.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-