الجديد

الأديب ليو تولستوي

ليو تولستوي قد يكون الأديب الاكتر شعبية علي الإطلاق، وده شئ مستحق تماما ومش مستغرب بلا شك.

مدخلنا لفهم تولستوي هوا مفهوم الرواية وغايتها كفن عنده، مكنش بينظر ليها على أنها نوع من الترفيه، ولكن كأداة لإعادة تشكيل الوعي والحس الخلقي، وفي رأيه الأداة الاكتر تاثيرا.

مهمة الأدب الروائي هيا جعلنا اكتر تفهما وتعاطفا مع الآخرين، خصوصا هؤلاء آللي بيبدوا عليهم من الخارج انهم صعاب المراس او غير محتملين.

الأديب ليو تولستوي

حياة ليو تولستوي

اتولد لعائلة ميسورة الحال تعيش علي اطراف موسكو، ابويه هيموتوا وهوا طفل، هيدخل الجامعة وهيحس بالملل من التعليم الرسمي وهيقضي شبابه عربدة لغاية ما هينضم للسلك العسكري في الحرب الاوكرانية، لاحقا هيتجوز زوجته صوفيا اللي من عائلة ارستوقراطية واللي بتختلف عنه تماما في نظرتها للحياة والمجتمع، وهيفضل الخلاف ده طول عمرهم الا انه فضل وفي لحبه ليها، وهيخلفوا 13 طفل 9 منهم هيستمروا علي قيد الحياة.

مكنش بيعتقد في فكرة الفن من أجل الفن، وكان بيؤمن ان الفن له غرض محدد هوا انه يكون مكمل للحس الأخلاقي وجعلنا اكتر تعاطفا مع الآخرين وجعلنا اقل حكما وجلدا للآخرين، وهيكتب مجموعة من أروع وأنجح الروايات علي الإطلاق أهمهم “الحرب والسلم” و “آنا كارينينا” و “موت ايفان الييتش”.

أعمال ليو تولستوي

اول أعماله العظيمة دي كانت الحرب والسلم، اللي فيها بنشوف ناتاشا روستوف الفتاة الجميلة الجامحة اللي بتتخطب لاندري الشاب الوسيم ذو المكانة الاجتماعية الرفيعة واللي بيحبها بجد الا انه شخصية محافظة وتقليدية وانطوائية، لاحقا هتقابل ناتاشا اناتول الشاب الجامح زيها اللي هتقع في حبه وهيقنعها تهرب معاه.

إلا انت عيلتها بتنجح في إيقافها في آخر لحظة، وكلهم بيبقوا غاضبين منها وبيتهموها بتلويث شرفهم، بمعايير هذا العالم ناتاشا اخفقت بشدة وتستحق الإقصاء وكل شئ سئ هيصيبها، ولكن بمنظور تولستوي ناتاشا بشر، عادي أنها تغوي وتخطئ، هيا فقط غير خبيرة مش خاينة، مهملة وليست غادرة، في نظره تستحق التعاطف معها مش رجمها.

تولستوي بيبقينا دايما في صف ناتاشا، مش لشئ غير أن التعاطف مع المخطئين هوا محور اساسي عنده من أجل حياة أخلاقية حقيقية، إحنا مش لازم نكون قضاة وجلادين لبعض، إحنا لازم نبقى اخوة، مهمة أدب تولستوي هوا التعاطف مع من جرى العرف السائد علي كرههم.

واكبر مثال على الفكرة دي هوا شخص الكونت اليكسيس كارنين زوج بطلة روايته التانية العظيمة آنا كارينينا، الرواية بتحكي تراجيديا حياة آنا الفتاة الجميلة المرحة المتزوجة من الكونت الجامد الصارم رجل الدولة، واللي بتقع في حب ظابط فروسية طائش وبتقيم معاه علاقة وبتحمل منه، ومع تطور علاقتهم وانتشار أخبارهم بيقلق زوجها على مكانته الاجتماعية فقط مش على علاقتهم ببعض.

ولكن الأوضاع بتنقلب في مشهد ولادة طفل آنا من عشيقها، بيشعر اليكسيس بالعطف عليها وعلى طفلها وبيسامحها وبيبكي بس هيا بترد عليه برفض السماح ده، في المشهد ده بنشوف الجانب الإنساني العميق المدفون من اليكسيس وهوا بيبكي في حضن زوجته.

وده اداه احساس بالحب عمره ما جربه لمجرد انه سامح حد غلط بحقه، بندرك ساعتها ان مفيش حد او حاجة شر او خير مطلق، كلنا خليط من الاتنين ومهمتنا هيا العمل على إظهار الجانب الجميل مننا ومن الآخرين مهما كانت المظاهر توحي بغير كدة.

روايته الثالثة الكبرى هي موت ايفان الييتش

في البداية بنقابل القاضي ايفان المتعجرف الغير مبالي، وفي مشهد عبثي كان بيساعد في تغيير ستاير المنزل وقع من على السلم وحس بألم شديد وشخصه الأطباء أنه امامه وقت قصير للحياة. أسرته لما بتعرف بالخبر بيضايقوا منه مش عليه لان ده بيهدد استقرارهم المالي والاجتماعي!!!

بتغير التجربة دي ايفان تماما وبتظهر نفس التيمة بتاعت ظهور الجانب الإنساني لأشخاص قساة، بيحس بحب وعطف شديد لخادم عنده، وبيحس بغضب لعدم التفات الناس للحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا العالم، ان الموت شئ حتمي على الجميع وان ده لازم يبقى دافع مستمر للطيبة والعيش بتسامح.

وفي مشهد موته بنشوف الرجل العادي المتعالي ولكن بوجه آخر تماما، وجه النبي المبشر بكل عطف وتآخي وحب، ايفان هوا نذير لينا اننا لازم نصحى من غفوتنا وندير لمطامع الحياة ظهورنا قبل فوات الأوان.

في عمر السبعين بيكتب بحث عن ماهية الأدب ومهمته، آللي لخصها بأنها استبدال الأحاسيس الأنانية الطامعة بداخلنا بأخرى عطوفة وحانية علي الاخرين، وده شئ من شأنه مساعدتنا علي المستوى الفردي والجمعي.

ككاتب كان عارف انه الرواية لازم تبقي مسلية ولكن ايضا لازم يبقى ليها غاية أخلاقية وده لانها بتفعل شئ نادرا ما يفعله اي عمل سواها، وهيا أنها تخلينا نضع أنفسنا مكان الآخرين. لازم العمل الفني والأدبي يكون له “هدف” وهوا علاج القراء ومواساتهم وتغيير حياتهم للأفضل أخلاقيا وعاطفيا.

في نهاية حياته رغم استمرار حبه لزوجته صوفيا الا انت اختلافهم دفعه لهجرها ، ومات بسبب التهاب رئوي شديد، وجنازته كانت مشهد مهيب جدا حضره الآلاف ، شئ مستحق لشخص غير حياة ناس كتير ومازال، يجب أن نتذكر تولستوي دايما لانه الكاتب الرائع آللي علمنا ازاي نبطل حكم علي الاخرين وعلمنا التعاطف معاهم عن طريق وضع أنفسنا مكانهم.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-