تعالوا نتكلم عن فيلسوف وسياسي من اعظم “او هوا الاعظم” في رسم الحياة السياسية خاصة والمجتمعية عامة، جون لوك.
فكر لوك باختصار مازال مهم ومؤثر ليومنا ده بسبب اسهامه في الاجابة علي 3 اسئلة مهمين جدا: كيف نتعامل مع من هم مختلفين عنا في التوجهات الدينية؟ ومن يحكمنا؟ وكيف نعلم اطفالنا؟
حياة جون لوك
كان عمره 10 سنين لما الحرب الاهلية الانجليزية اندلعت، و والده كان كابتن في الجيش البرلماني، الملك تشارلز الاول هيتم اعدامه في مكان قريب جدا منه وصراخ العامة من المنظر هيأثر فيه جدا.
كان من المفروض انه هيكمل دراسته عشان يبقي طبيب وفعلا ده اللي كان ماشي في سبيله، الا ان حياته بتتغير تماما لما سياسي طموح ولامع جدا بيطلب مشورته كطبيب في مرض كبدي.
السياسي ده هوا عائل شافتسبري الاول اللي طلب منه ينتقل معاه الى لندن، ووافق فيلسوفنا واتغيرت حياته في المدينة تماما باشتراكه في حلقات فلسفية وعلمية رفيعة المستوي.
زي ما قولنا لوك كان مهتم جدا بالاجابة علي 3 اسئلة:
ما الواجب عمله في موضوع الاختلاف العقدي؟؟
مع صعود البروتستنتية الانجليزية في القرن السابق له ظهرت معاها متلازمة التساؤل عن امور مقدسة عند البعض بشكل مزعج، الامر اللي دعا البعض للمطالبة بتحكم حكومي تام في الموضوع ده عشان ميحصلش مشاكل.
لوك كان له رأي مخالف، كان من اوائل اللي دافعوا عن فكرة حرية الاعتقاد في بحثه الرائع “عن التسامح”.
اعتمد لوك في رفضه للاجبار العام علي نمط ديني معين علي 3 نقط:
وجهات النظر الارضية، الحكومية خاصة والبشرية عامة، لا يمكن الاعتماد عليها لفحص دعاوي الحقيقة لذوي العقائد الدينية المختلفة.
حتي لو ده ممكن، فمن غير المعقول فرض “عقيدة واحدة صحيحة”، ببساطة لان عملية الايمان تتنافي مع فكرة الارغام بالعنف.
الاجبار علي دين واحد هيسبب مشاكل اكبر بكتير من اللي ممكن تتسبب فيها التعددية.
جون لوك كان بيشوف ان الدولة مهمتها الحفاظ عالسلم العام مش الاطمئنان علي مصير البشر الاخروي في هل هيدخلوا الجنة ولا النار، وبفضله هوا اصبح فكرة عقاب الناس علي فكرهم موضوع منفر، وبقي المثقفين من كل ارجاء اوروبا بيحسدوا انجلترا علي التسامح ده. وكان ده انجاز عظيم للراجل ده وفكره.
من الذي يحكمنا؟؟
لوك متوقفش عند البحث في مسالة التسامح بس، هيكتب كتاب رائع وخالد ومؤثر جدا عن “الحكومة” بيجيب فيه عن سؤال من يحكمنا.
كان شائع جدا في القرون اللي قبله فكرة الحق الالهي للملوك، الي ان جاء توماس هوبز وقال ان الملوك مش بيستمدوا حق حكمنا من اله، هما فقط بيستمدوها من قدرتهم علي حفظ النظام العام لاننا كبشر قبل الحكومات كنا جنس همجي وفوضوي جدا، وسمي هوبز ده ب “الحالة الطبيعية”. من منطلق نظرية هوبز الناس ملهمش حق مسائلة الحكام او تغييرهم لان شرهم في اسوأ الاحوال افضل من حالة الفوضي.
جون لوك كان رأيه مخالف تماما لـ هوبز، كان متفق معاه في نقد فكرة الحق الالهي لكنه كان مختلف معاه في توصيف فكرة “الحالة الطبيعية”، كان بيشوف ان البشر كانوا مسالمين جدا في ما قبل الحكومات، هما بس اختاروا الخضوع للسلطة والتنازل عن بعض الحقوق في سبيل الخير والفايدة العامة، ومن المنطلق ده فلو الدولة والحكومة اخلت بالاتفاق والعقد اللي ما بينها وبين الناس ده من حقهم يغيروها في اي وقت.
تاثير لوك ظاهر جدا في الفكر السياسي الغربي زي ما هوا واضح بالخصوص في اعلان الاستقلال والدستور الاميريكي وتصميمهم علي فصل الدين عن الدولة وعن فكرة العقد الاجتماعي المشروط، مرة تانية بنشوف مدى روعة وتاثير الراجل ده.
كيف نتعلم؟؟
احد الاباء بعت يسأله ازاي يربي ويعلم ابنه، لوك عمره ما اتجوز ولا خلف، الا انه رد عليه بمجموعة خطابات هتتحول لكتابه الرائع “عن التعلم” اللي بيعتبر اهم كتاب تربوي علي الاطلاق.
جون لوك قال ان عقولنا بتتولد معانا ك “صفحة بيضاء” عكس ما كان شائع اننا بنولد باستعدادات وبذور لشتي الافكار الدينية والسياسية، وقال ان كل شئ بنعرفه ونعتقده هوا وليد التجربة العملية والافكار المتولدة عنها، ودي تعتبر الفكرة الرئيسية للمدرسة التجريبية ككل.
ومن هنا جه اهتمامه البالغ بفكرة التعلم، وان الافكار اللي بتزرع فينا من صغرنا اهم بكتير من سواها واحنا كبار لانها ببساطة اللبنة اللي بيؤسس عليها كل شئ، وكان بيقول “ان تسع اعشار ما عليه الاشخاص، سيئين او جيدين او مهما كانوا، هوا وليد التنشئة”. عشان كدة كان بيرتاب جدا من فكرة مين اللي يقوم بالتربية، لان لو مثلا اللي قام بيها شخص جاهل هيزرع الجهل ده في العقول للابد.
لوك وافكاره هما الاساس لفكرنا الابوي زي ماحنا شايفين، وكان برضه مهتم جدا بفكرة المناهج التعليمية، كان بيحبذ دراسة الاشياء العملية ذات الفايدة الحياتية زي العلوم والرياضة والسياسة، وكان بيكره تعليم “الاشياء التافهة” زي الموسيقي والميتافيزيقا والشعر !!!
لانه الشخص اللي علمنا التسامح الديني واهمية الحكم العادل واهمية التنشئة الجيدة، لوك هيفضل مهم للابد.