الجديد

المعالج النفسي جاك لاكان

لما بنتذكر التحليل النفسي بنتذكر بالضرورة اساطينه امثال فرويد ويونج وادلر، وبالطبع القطب الفرنسي الاهم وعالم النفس الفرنسي الاعظم والاشهر اللي هنتكلم عنه دلوقتي جاك لاكان. اهم شئ ميز لاكان طول عمره انه كان محط انظار الاعلام والصحافة زي ما يكون مغني مشهور او نجم سينمائي، باختصار كان مثال لما يقال عنه “المثقف النجم” !!!

المعالج النفسي جاك لاكان

كان صديق لاشهر الكتاب والادباء، وكان محط اعجاب الجنس اللطيف بسبب وسامته، اتولد في باريس عام 1901 لرجل اعمال ناجح جدا ولام كاثوليكية متدينة، اخوه هيصبح راهب من الطائفة البنديكتية، الا انه هيعلن تمرده ورفضه للايمان الديني في سن صغير جدا، كان مولع بالفلسفة والادب والعلم، كان مغرق حيطان غرفته باقتباسات من كتب سبينوزا !!!

هيدرس الطب وهيتخصص في الطب النفسي، كتب اوراق بحثية كتيرة ومهمة جدا ومعقدة جدا، كان دايما بيضمنها معادلات واستنتاجات رياضية كانه مدرس هندسة مش طبيب نفسي، لكن بعيدا عن التعقيد ده فيه دروس وافكار مهمة جدا اتعلمناها منه عن طبيعتنا النفسية.

هوية جاك لاكان

كان لاكان مهتم جدا بحدث فريد بيحدث لكل طفل، الحدث ده هوا اول مرة بينظر فيها الطفل لنفسه في المرايا وبيدرك ان دي صورته هوا، الطفل بينظر لنفسه وبيتسائل في دهشة واستغراب شديدين “هل هذا انا ؟! ؟!”.

وسمي لاكان ذلك بـ “مرحلة المرآة” اللي فيها بيشعر الطفل بعدم الاستقرار بسبب ان الشكل اللي بتعكسه المرايا ابعد ما يكون عن تمثيله لاعماق الطفل واحساسه بنفسه داخليا، في رؤوسنا بنجد تيارات من الوعي والاحساسات والرغبات الجامحة، عندنا شبق واشتهاء لكل شئ من حولنا، بنظن في انفسنا اننا كائنات شبيهة بالالهة عالاقل علي مستوي الرغبة في السطوة والكمال.

كل ده بينهار لحظة النظر في المرايا وبنشوف هذا الشكل المتسق المتزن اللي لا يبدو عليه اي من هذه الاشياء اللي بيجدها داخله، لا نملك الا الكلمات لملئ هذه الهوي بين الداخل والخارج، وقليلا ما تفلح الكلمات في هذه المهمة !!!

الفشل في التعبير عن دواخلنا ليست مشكلة فردية ولكن حقيقة وجودية بالنسبة للجنس البشري باكمله، وده بيمتد لابعد من الطفولة، كبالغين دايما ما بنبحث عن اللي يفهمنا بكاملنا.

الا ان الاخرين دايما لا يتخطوا هذا المظهر اللي ابعد ما يكون عن عكس حقيقة انفسنا، وعشان كدة احنا دائمي الاهتمام بتنميق هذا الخارج عشان نظرة الاخرين لينا، وده الوتر اللي بتلعب عليه صناعة الموضة باظهارنا عن طريق الالوان والتصميمات علي حقيقتنا او ما نتمناه انه يكون حقيقتنا.

لكن هيهات يقول لاكان، عمر حد ما هيفهمنا ويستوعبنا كما نستوعب انفسنا وبالمثل عمرنا ما هنستوعب الاخرين كما يستوعبوا هما انفسهم، سؤ الفهم مؤبد علينا معشر البشر!!!

الحب فى نظر جاك لاكان

لاكان كان عنده رؤية سلبية جدا للحب الرومانسي، من اقواله “لا يوجد شئ اسمه علاقة جنسية” و “لا يوجد شئ اسمه ذكر وانثي” و “الرجال لا يعرفون شئ عن النساء والعكس صحيح”.

كان بيشوف ان تحليل الحب الرومانسي بيظهر حقيقته كمجموعة من الاوهام، احنا مجرد بنسقط علي من نطلق عليهم “احبائنا” رغبات وخيالات طفولية مكبوتة، عمرنا ما بنستوعب ذواتهم الحقيقية.

فكرة سوداوية جدا ولكن من شانها تحريرنا من اوهام الرومانسية اللي بتسقط لما بنلاقي نفسنا انجذابنا لناس كنا بنظن انهم نصنا التاني قل، وفي نفس الوقت بيمنعنا من مطاردة وهم الشريك الكامل لانه ببساطة مش موجود.

علاقاتنا مش بتفشل بسبب اخطاء بنرتكبها ولكن ده المسار الطبيعي لما يسمي الحب، فشل العلاقات مجرد انكشاف للوهم ده !!! عن طريق فكر لاكان ده ممكن نبني علاقات اكتر نضجا لانها خالية من الاوهام المضللة.

جاك لاكان والسياسة

كان ناشط سياسيا جدا وشارك في العديد من المسيرات والاحداث الهامة في ستينات القرن العشرين، دي كانت فترة الذروة للتغيرات الاجتماعية، دي الفترة اللي شهدت الثورة الجنسية والافتتان الشديد بالفكر الشيوعي.

لاكان كان بيشوف ان من يظنون في انفسهم ديموقراطيين تحرريين ودعاة تغيير ما هما الا باحثين عن اصنام جديدة لعبادتها، شئ من التعبير عن احداث ابوية طفولية مكبوتة، القائد السياسي الملهم اللي بيعد بالعدل و باعمار الارض ما هوا الا اسقاط مننا لصورة الاب المثالي في اذهاننا.

بالنسبة للاكان السياسي الناجح مش هوا اللي بيداعب احلام الشعب الطفولية بالكمال ولكن اللي بيتميز بالنضج بانه يبين حقيقة العالم المحبطة لشعوبهم من غير اثارة اعتراضات عارمة.

لاكان وطرقه وافكاره الغير تقليدية كانوا سوداويين ومعقدين، الا انهم من شأنهم كشف حقيقة اوهام عمرها طويل جدا، كان عنده تطلع للتحليل النفسي انه يساعدنا في فهم انفسنا افضل.

كان بيرفض يسمي عملائه “مرضي” وكان بيقول انك تحتاج للتحليل والعلاج النفسي يجب فقط ان تكون انسانا، كان بيعمل شئ غريب جدا انه كان ممكن يعمل الجلسات خلال وقت الكوافير مثلا.

مش لانه بيتعمد ازعاج الاخرين ولكن كان بيبقي عايز التحليل يحصل في وقت استرخاء، مكنش عنده مانع ان الجلسة لا تتعدي الـ 5 دقايق، اهم حاجة يكون اللي بيحصل خلالها “حقيقي وايجابي”.

كان عنده امل بجمعه بين كونه فيلسوف وعالم نفس وكونه مشهور ان تاثيره يمتد للسياسة والعمل العام بشكل ايجابي، ورغم كونه ملحد الا انه تمني لما يموت تقام له مراسم كاثوليكية مهيبة في روما او ڤينيسيا وده شئ متحققش لانه اتدفن بهدوء في احد ضواحي باريس.

ما زال امله للتحليل النفسي انه يبقي قاعدة عامة لاصلاح الناس والمنظمات الكبري كالكنيسة والاحزاب هدف سامي يجب ان نسعي لتحقيقه وان نتذكر اسم لاكان بسببه دايما.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-