يعد فرانز كافكا هو احد اعظم ادباء البشرية علي الاطلاق، وافضل دليل ادبي لدواخل الانسان المظلمة.
من هو فرانز كافكا
عالم كافكا الادبي عالم سوداوي جدا، بس حقيقي للغاية، كلنا في وقت من الاوقات بنمر بيه لما نلاقي نفسنا بيتم سحقنا من العالم الصناعي حولنا او السلطات السياسية الباطشة او الاهم من قبل آبائنا القساة.
بنبقي في عالم كفكا لما بنحس بعجز وخجل من انفسنا، او لما بيتم التنمر علينا والسخرية بينا من المجتمع، او لما بتجتاحنا عواطف ورغبات متوحشة، او لما احساسنا بالذنب بيتصاعد لدرجة اننا بنحس ان افضل شئ اننا نموت او يتم سحقنا كالحشرات عديمة الفائدة !!!
اتولد اديبنا في براج عاصمة التشيك لأب قاسي ومجنون هيحول حياة ابنه لجحيم ولأم اضعف من انها تدافع عن ابنها، كبر وهوا شخص منطوي ومحب للكتب والاهم ملئ بكراهية ذاته، وكان نفسه يبقي كاتب وده شئ ابوه مسمحلوش بيه، واشتغل في اعمال مكتبية في شركات تأمين بدل ما يمارس الكتابة زي ما كان بيحلم.
مر بعد كدة باكتر من علاقة فاشلة مع النساء ومتجوزش ولا كون عيلة، وكان محطم داخليا بمدي وحشية رغباته الجنسية، الشئ اللي دفعه لبيوت الدعارة وادمان المواد الاباحية.
اعمال فرانز كافكا
كافكا منشرش اعمال كتير في حياته، فقط مجموعات قصصية قصيرة ملاقتش نجاح وكان من ضمنهم عمله الاعظم “المسخ”. اعماله لاقت نجاح رهيب بعد موته خصوصا اعماله الخالدة ” المحاكمة” و “اميريكا” و “القلعة” واللي ما انتهاش من اي منهم وامر بتدميرهم بعد موته بسبب عدم رضاه عنهم، لكن لحسن حظ البشرية وصيته دي لم تنفذ.
مش من المستغرب ان اهم مدخل لفهم ادب كافكا هيا فهم علاقته بوالده. عمره ما كتب عنه مباشرة الا ان اي حد هيقرا اعماله هيفهم مباشرة مدي معاناة هذا الابن مع والده.
في عمر ال 36 قبل وفاته ب 5 سنين هيكتب خطاب لوالده من اكتر من 40 صفحة بيشرحله فيه الجحيم اللي شافه طول عمره بسببه، وزي اي شخص تعرض للتعذيب والاساءة عاش اديبنا طول عمره بيتمني الفهم والسماح من الاشخاص اللي عذبوهم.
“ابي العزيز، مؤخرا سألتني عن سبب استمرار خوفي منك، والحق يا ابي لم اقدر علي التوصل لإجابة، من الممكن لنفس اسباب خوفي منك. ما كنت احتاجه يا ابي هوا التفهم والعطف، ولكنني لم اجد هذا، واكثر ما يعذبني يا ابي هوا عدم اكتراثك لمدي تاثير احكامك واوامرك علي، كما لو كنت غير واعي بمدي قوتك وسيطرتك علي”.
ده جزء من الخطاب، واهم حادثة علقت في راسه من والده لما صحي في منتصف الليل عطشان وبيطلب كوب ماء الا ان ابوه جذبه بقوة وقسوة وبدل ما يديه المياه حبسه في البلكونة شبه مجرد من ملابسه في عز البرد!!!
كتب اديبنا انه بعد الفترة دي كان مطيع ومنكسر لارادة ابوه وان ده تسبب ليه في اضرار داخلية لا يمكن قياسها. وانه حتي بعد ما كبر كانت بتلازمه فكرة ان الرجل الضخم “ابوه” هيدخل في الليل ويحمله ويحبسه في البلكونة في البرد القارس وده اكبر دليل ان الاب ده بيكره ابنه. وكتب “كل طفل يحتاج اذن والده ليصبح رجل وانت لم تعطني فرصة، لم تسمح لي بقول كلمة مخالفة ابدا، وصراخك الرافض هذا مع رفعة يدك المانعة ظلت معي طوال عمري، انني ما زلت اتذكر عندما كنا نذهب للسباحة ونغير ملابسنا سويا، انا شخص هذيل مجرد عظام تكسوها جلود رفيعة وانت هذا الشئ الضخم مفتول العضلات الغير مكترث لأمري.”
بعد انتهائه من الخطاب ده سلمه لوالدته عشان تسلمه بدورها لابوه الا ان جبنها منعها وقالت لابنها من الافضل ان والدك ميقراش حاجة زي دي، وهوا ما حاولش تاني ابدا.
قصة الحكم
في قصته القصيرة الرائعة “الحكم” بيحكي عن چورچ رجل الاعمال اللي بيخطب واحدة وبيستعد للجواز منها والانتقال من منزل عائلته اللي بيعيش فيه مع والده الارمل العجوز الملازم للسرير، وفجأة بيستعيد الاب ده قوته بشكل غامض وبينهض عشان يشجب ابنه چورچ ويتهمه بالخيانة لعائلته واصدقائه.
وبيقوم بطل القصة بدفاع ضعيف عن نفسه وحقه، وبيقوم الاب ده بالحكم علي ابنه بالموت غرقا والابن بينصاع لامر ابوه وبيغرق نفسه في النهر، والاب ده بعد كدة هيبكي ابنه بشكل لا يذكر قائلا “لقد كنت طفلا بريئا ولكن في اغوار نفسك انت مجرد شيطان لعين.”
فكرة الاحكام الابوية التسلطية القاسية من التيمات المعتادة في ادب كافكا، هتعاود الظهور في رائعته “المحاكمة” بس المرة دي طور الموضوع من مجرد اب لنظام قضائي كامل من محامين وقضاة وموظفين دولة بيروقراطيين قساة.
بتحكي الرواية عن چوزيف كيه اللي في عيد ميلاده ال 30 بيتم اقتياده للمحاكمة دون اتهام، ومبيبديش چوزيف اي اعتراض او استفسار، هوا من داخله مغرق بالاحساس بالذنب واستحقاق العقاب، وبيعين محامي لنفسه والقاضي هيقوم بالافراج عنه الا ان التجربة هتسحقه نفسيا ومش هيعرف يمارس حياته بطبيعية تاني.
وبعد سنة من الافراج هيجي اتنين ظباط يقتادوه لخارج المدينة ويعدموه بسكين في قلبه دونما اعتراض او امتعاض منه او اي احساس بأي فارق !!
قصه المسخ
ما بين الحكم والمحاكمة كتب اكتر قصصه انتشارا واعظمها “المسخ” اللي بتحكي عن بائع متجول بيصحي يلاقي نفسه تحول لحشرة، وهيا قصة عن احتقار الذات وعن قهر السلطة، لما بيتجول البطل كحشرة وهوا معرض للسحق بحذاء والده اللي هوا وعيلته مش فارق معاهم وجود ابنهم من عدمه.
ولاحقا هتقوم العيلة بعقد مجلس للتحقق في غياب ابنهم وهيقرروا انه لا يمكن يكون هوا الحشرة اللي في غرفته دي، وبيقرروا انهم لازم يتخلصوا منه وهوا هيوافقهم علي ده وهيموت في هدؤ !!!
نهاية فرانز كافكا
كافكا مش بس عاني نفسيا، لا جسديا كمان، هيصاب بمرض السل اللي هيخليه ياكل بصعوبة والم بالغ، وهيكتب عن التجربة دي اخر اعماله “فنان الجوع” اللي بتحكي عن فنان بيقدم عروض عبارة عن استعراضه مقدرته علي عدم الاكل اللي وصل لدرجة امتناعه عنه 40 يوم، تدريجيا جمهور الفنان ده هيملوا منه.
وهينتهي بيه الحال في قفص نتن وهيطلب السماح من الناس لانه شايف انه مكانش يستحق التقدير والاعجاب من الاول لشئ زي عدم الاكل اللي كان سببه اصلا فقده للشهية، ولاحقا بعد موته هيقوم السيرك باستبداله بفهد اسود الناس هتستمع بيه اكتر !!!
بعد موته هيذيع صيته كاحد افضل الادباء علي الاطلاق، وكان بيشوف ان مهمة الادب والكتابة هوا بحث اعماقنا خصوصا اكتر المناطق دي ظلاما، ودي مهمة هوا نجح فيها بامتياز.