الجديد

كتاب فى طلب التوابل قصة الرحالة الأوائل

يعد كتاب فى طلب التوابل من الكتب الممتعة للغاية، والذى يحكى لنا قصة الرحالة الأوائل الذين رأوا العديد من الصعاب وأنطلقوا عبر البحار فى الغرب والشرق بحثاً عن التوابل من البرتغاليين كاشفى الطريق الأفريقى إلى الهند.

كتاب فى طلب التوابل قصة الرحالة الأوائل

ومن الأسبانيين الذين رأوا الصعاب والأهوال فى المحيط الأطلنطى بإتجاه أمريكا فى الغرب وجزائر الهند الغربية، ومن الهولنديين والفرنسيين والإنجليز الذين أنطلقوا فى طريقهم شرقا وغربا بحثاً عن هذه الكنوز النادرة.

فاسكو دى جاما بملابسه التقليدية صورة منقولة من لوحة رسمت فى كتاب فى القرن السابع عشر
فاسكو دى جاما بملابسه التقليدية صورة منقولة من لوحة رسمت فى كتاب فى القرن السابع عشر.

كتاب فى طلب التوابل

وكتابنا هذا قد وفى الموضوع حقه من وجهة النظر الغربية حيث يحكى تلك القصص بإسلوب شيق وممتع بسلاسة فى السرد وواضح ويضيف للأحداث التاريخية بعضاً من النوادر والفكاهات الطريفة، بحيث تضيف على الوصف الجاف ألواناً وصوراً حية تصل إلى أذهاننا وتفهمنا طريقة الحياة فى الغرب وفى الشرق أثناء تلك العصور.

ويبدأ الكتاب بنبذة أولى تمهيدية عن التوابل فى العصور القديمة ولعل الكاتبة المؤلفة تعنى العصور التى سبقت عصر الأمير هنرى الملاح أى أنه لم يعنى بالتوابل إلا منذ اللحظة التى بدأ فيها الغربيون حملاتهم البحرية للكشف عن طريق التوابل والإستيلاء عليها.

أماكن زراعة التوابل
أماكن زراعة التوابل.

وهذا القسم الأول من الكتاب صورة طريفة طلية و تجميع لكل ما ورد فى كتب التاريخ القديم و القصص و ما حكى عن الشرق من خرافات وما فيه من عجائب و نفائس تختلط فى سياقه التوابل النادرة مع الأحجار الكريمة واللألئ والطنافس وتختلط فيها مصادر هذه النفائس مع جنات عدن كما يخلط فيها الرواة والمؤرخون بين الأنهار والجبال والبحار والممالك كل ذلك حائر بين مختلف ممالك إفريقيا وأسيا.

حصاد اللبان فى الجزيرة العربية كما سجله الرسامون الاوروبيون فى القرن ال 16 الميلادى وكانت مراكب سلطنة عمان تنقل هذا الحصاد لبلاد عديدة
حصاد اللبان فى الجزيرة العربية كما سجله الرسامون الاوروبيون فى القرن ال 16 الميلادى وكانت مراكب سلطنة عمان تنقل هذا الحصاد لبلاد عديدة.

والصورة تجمع ما ورد على لسان الرحالة العرب أمثال أبى زيد السيرافى و البيرونى وإبن بطوطة و ما ورد فى القصص مثل قصص السندباد البحرى وما ورد على لسان الجغرافيين أمثال الإدريسى مع ما جاء فى كتب القدماء من الإغريق والرومان و جوابى القرون الوسطى كل ذلك بدون تحقيق ولا تعليق.

وإنتهت المؤلفة فى أخر هذا الجزء إلى الحديث عن مملكة القس يوحنا دون أن تربط بين البحث عن التوابل وبين هذه المملكة سوى أن بعض الرحالة كانوا يسافرون للبحث عن أحدهما دون الأخرى أو عن الإثنين معا.

ظبي المسك وأعلاه الغدة المسكية فيه
ظبي المسك وأعلاه الغدة المسكية فيه.

القسم الثانى من الكتاب

يبدأ القسم الثانى (وهو القسم الرئيسى منه) بقصة الأمير هنرى البرتغالى مؤسس أول مدرسة للبحرية و الذى كرس حياته لرسالة مقدسة هى حرب المسلمين فى الهند و جزائر الشرق الاقصى و كسب شعوب تلك البلاد إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

وليس أدل على الصفة الدينية لهذه الرحلات من تلك الرسالة التى بعث بها البابا نيقولا الخامس إلى الأمير هنرى فى عام 1454 يحثه فيها على حرب المسلمين.

وليس أدل على ذلك من قيام أساطيل البرتغال بمصادرة مراكب العرب وإعدام من فيها من الملاحيين و ركاب و مهاجمتها موانئ العرب كلما سنحت لهم الفرصة.

مائدة طعام جماعة من الأثرياء فى عصر النهضة كانت التوابل توضع بكثرة فى جميع الأطباق
مائدة طعام جماعة من الأثرياء فى عصر النهضة كانت التوابل توضع بكثرة فى جميع الأطباق.

كانت إذا حرب التوابل من أول أمرها حربا صليبية و إمتدادا لتلك الحروب التى شنها الغربيون على الشرق الإسلامى فى عام 1098 والتى دامت قرنين، وكان إكتشاف القارة الأمريكية كلها وما ترتب عليه من الأثر العميق فى تاريخ العالم وجغرافيته ومستقبله أثرا من تلك الحروب.

وكان إكتشاف إفريقيا والهند وجزائر الملايو ورغبة البرتغالين أولا ثم باقى دول الغرب من بعدهم فى إنشاء المتاجر والقواعد البحرية بها فاتحة عصر الإستعمار وبدء قيام إمبراطوريات ماوراء البحار وما يصحبها من عقلية بغيضة تجعل من الغربى السيد ومن الشرقى المسود وتفرق بين العناصر والألوان.

خريطة ساحل افريقيا الشرقي
خريطة ساحل افريقيا الشرقي.

نتائج حرب التوابل

وكان من نتائج حرب التوابل أن ركزت الدول الكبرى إهتمامها حول بناء الأساطيل لفرض سلطانها على العالم خلال تلك الفترة الطويلة التى لم تنته، إلا أخيرا حين إنتقلت السطوة من البحر للجو و أصبحت الطائرات سلاحا أشد بطشا و أبعد مدى من السفن.

لقد قال أحد المؤرخين أن الإمبراطورية الأسبانية ماتت يوم هزم أسطولها الضخم (الأرمادا) على سواحل إنجلترا، وكما يقول الدكتور/ محمود النحاس مراجع هذا الكتاب أنه كان لمصر دورا فى تلك الحروب أهملته المؤلفة إهمالا يعتبره تقصيرا بالغا.

فيقول/ كانت مصر فى القرن ال 13 و 14 و 15 هى الطريق الرئيسى لتجارة التوابل بين الشرق والغرب وكان سلاطين المماليك يحتكرون هذه التجارة لما كانت تدره على الدولة من أرباح طائلة ولكن مصر كانت دائما تحترم حرية التجار وتفتح أبوابها لتجار الشرق من صينيين وهنود وفرس وعرب وأحباش.

فى قصص الغرب إستبدلوا السلحفاة الضخمة التى ظنها البحارة العرب جزيرة صغيرة بحوت عملاق ناسيين أن بحر الهند تعيش على بعض جزره فعلا سلاحف عملاقة
فى قصص الغرب إستبدلوا السلحفاة الضخمة التى ظنها البحارة العرب جزيرة صغيرة بحوت عملاق ناسيين أن بحر الهند تعيش على بعض جزره فعلا سلاحف عملاقة.

كما كانت تفتحها فسيحة رحبة لتجار الغرب من بنادقة (مدينة البندقية الإيطالية) وجنويين (مدينة جنوة الإيطالية) وغيرهم وكانت لهم فى القاهرة والإسكندرية وكالات خاصة بهم ينزلون بها ويتجرون فيها أحرارا فى حياتهم الخاصة وفى إقامة شعائرهم الدينية وفى تنقلاتهم.

فلما وصل البرتغاليون إلى شواطئ الهند نزلوا فى أول الأمر بمدينة قاليقوط التى كان يحكمها أحد الملوك الزاموريين ولم يكن مسلما ولكن المدينة كانت محط رحال التجار العرب يعاملون أهلها كخير ما يعامل به الأخ أخاه.

شروط البرتغاليين

فكان أول شرط أراد البرتغاليين فرضه على ذلك الملك أن يقصى عن مدينته تجار العرب و أن لا يتعامل معهم و إلا فهى الحرب بينه وبينهم و رفض الملك مطلبهم فكانت الحرب و كان أن أرسل البرتغاليين أساطيلهم الواحد بعد الأخر لمهاجمة تلك المدينة الوادعة.

فلما تحقق ملك الزاموريين من أن سفنه الخفيفة لن تجديه نفعا أمام سفن البرتغاليين الحربية المزودة بالمدافع إستنجد بصديقه السلطان قانصوه الغورى سلطان مصر و كان ذلك فى عام 1502 وكان سلطان مصر عاقلا حكيما يدير أموره بفطنة و على أكمل وجه.

أحد قباطنة السفن فى قمرته يعكف على دراسة خرائطه البحرية
أحد قباطنة السفن فى قمرته يعكف على دراسة خرائطه البحرية.

فبدأ بالتحالف مع البندقيين أعداء البرتغاليين ثم جهز أسطولا ضخما بأحدث الأسلحة و حمل فيه 1500 مقاتل وعقد لواءه للأمير حسين أفضل قواده وسار الأسطول المصرى فى عام 1507 بقيادة ذلك الملاح المحنك الذى رأى أن يتخذ جزيرة (ديو) قاعدة لعملياته وتموينه ومنها إتصل بإسطول الزاموريين الذى إنضم له لمهاجمة البرتغاليين وكان الإسطول البرتغالى تحت قيادة لورنسو دالميدا مرابطا فى كوشين.

فقام منها و إتجه شمالا حتى إلتقى الأسطولان فى شولا فهجم الأمير حسين بإسطوله هجمة صادقة وأصلى البرتغاليين بمدافعه نارا حامية ففر الإسطول البرتغالى بعد أن أصيبت سفينة أميرهم فغرقت و قتل دالميدا وأسقط فى يد البرتغاليين بعد أن رأوا أمامهم أسطولا بحريا يعادلهم فى القوة والخبرة البحرية وحليف وصديق لملك قاليقوط ولكنهم جمعوا بقايا أسطولهم بعد ما جاءتهم النجدات وواجهوا الأمير حسين مرة أخرى عند ديو عام 1509.

وبالرغم أن حاكم الجزيرة خانه ورفض أن يقوم بتقديم الإمداد اللأزم له فإن الأمير حسين خاض المعركة و هزم البرتغاليين مرة أخرى و لكن خطرا كبيرا بدأ يهدد مصر نفسها حين شعر السلطان قانصوه الغورى بأن سلطان تركيا سليم ياقوز بدأ يتحرش به وبالشاه إسماعيل الصفوى شاه فارس (إيران).

ورأى أنه فى حاجة إلى تجميع كل قواه للدفاع عن مصر و إنهزمت مصر فى موقعة مرج دابق عام 1517 أمام جحافل سليم الغاشمة نتيجة خيانة الأميرين خير بك و جاق بردى و إنهار ذلك السد المنيع و إنطلقت يد البرتغاليين فى الهند و بذلك بدأ عصر الإستعمار الذى لم ينته إلا فى عصرنا هذا.

فى الإشادة بالتوابل

شبه العاشق الملكى مرتل أغنية سليمان بن داوود عليهما السلام شبه حبيبته ببستان فيه الفاكهة الحلوة و فيه الكافور و النردين و هو سنبل الطيب والزعفران والقلماوش وهو القصب الذريرى و فيه جذور زيت طيار و هو عطرى مر مقوى للمعدة و القرفة و فيه أشجار اللبان و المر و الصبر و فيه أجود أنواع التوابل الأخرى.

وحملت ملكة سبأ إلى الملك سليمان كميات عظيمة من التوابل و ما أن إنقضى 1000 عام على ذلك العهد حتى حضر رجال حكماء من الشرق ليقدموا للطفل المقدس فى بيت لحم (المسيح عيسى عليه السلام) الذهب و اللبان و المر.

خريطة غريبة ترجع إلى أكثر من 500 عام مضى وهى خريطة بحرية من أواخر القرن ال 14 تبين مضيق جبل طارق وشواطئ أسبانيا وفرنسا وبحر المانش وشواطئ إنجلترا وأيرلندا
خريطة غريبة ترجع إلى أكثر من 500 عام مضى وهى خريطة بحرية من أواخر القرن ال 14 تبين مضيق جبل طارق وشواطئ أسبانيا وفرنسا وبحر المانش وشواطئ إنجلترا وأيرلندا.

وهذا النوع من الخرائط يسمى دليل البحار وهو عبارة عن كتاب يشبه الخريطة البحرية يبين وصف الشواطئ ويقدم المعلومات الخاصة بالمناطق الساحلية المطلوبة.

مؤلفة كتاب فى طلب التوابل

مؤلفة الكتاب هى سونيا.  ي. هاو حائزة لتقدير الأكاديمية الفرنسية والجمعية الجغرافية وقضت شطرا كبيرا من حياتها فى فرنسا حيث نشرت لها مؤلفات بالفرنسية كرم المجمع الفرنسى منها إثنين كما منحتها الجمعية الجغرافية بباريس ميدالية جودى على أحدهما وعنوانه أبطال الصحراء وميدالية أرمان سو على الأخر وعنوانه أوروبا ومدغشقر.

ويتكون هذا الكتاب من / 23 فصل فى 374 صفحة ممتعة، وصدر ضمن سلسلة (1000 كتاب) النادرة برقم (98) من مكتبة نهضة مصر بالقاهرة عام 1957 ومكانها بحى الفجالة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-